آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-05:43م

اخبار وتقارير


بفضل وجهود الإصلاح.. اليمن ساحة جديدة للعبث التركي

بفضل وجهود الإصلاح.. اليمن ساحة جديدة للعبث التركي

الأربعاء - 19 أغسطس 2020 - 07:19 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - وكالات

تعزز تركيا جهودها لإرساء موطئ قدم في اليمن مستفيدة من النزاعات الدائرة فيه، وأطراف تعمل لصالحها، وبدأت عيون أنقرة تشخص نحو اليمن مرة أخرى مع بداية 2011، عندما شيدت نصباً تذكارياً في قلب العاصمة صنعاء على بعد أمتار من مبنى وزارة الدفاع، لتخليد ذكرى الجنود الأتراك الذين فقدوا أرواحهم ضمن الفيلق السابع خلال الاحتلال العثماني للبلاد.

وتؤكد التقارير، أن بصمات أنقرة الخشنة ظهرت بشكل أوضح في اليمن منذ 2013، وتدفقت شحنات السلاح إلى المدن اليمنية بغزارة وأعلنت السلطات الأمنية آنذاك ضبط العديد منها، وكانت تضم مسدسات كاتمة للصوت يعتقد أنها استخدمت بعد ذلك على نطاق واسع في الاغتيالات الكثيرة في البلاد، وفق ما ذكر موقع "أحوال" التركي. 

ودفعت تلك الوضعية مسؤولين أمنيين للظهور على القناة الرسمية لاستعراض شحنات السلاح المضبوطة في رسالة تعزز وجود أجندة سياسية تقف وراء التهريب الممنهج للأسلحة التركية إلى اليمن.

ورقة الإخوان

عمدت أنقرة لاستخدام شخصيات سياسية يمنية من جماعة الإخوان، وأخرى مرتهنة لدائرة المصالح الإخوانية والقطرية، قفازات لتدخلها في المشهد اليمني منذ فترة مبكرة في إطار الطموحات التركية للعودة إلى مناطق نفوذ الدولة العثمانية.

ومن أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً في تعزيز تلك الأطماع في اليمن، السياسي والشيخ القبلي ورجل الأعمال والقيادي الإخواني حميد الأحمر، الذي ارتبط بشكل وثيق بتركيا، وكان من أول الذين غادروا إلى إسطنبول بعد الانقلاب الحوثي في سبتمبر (أيلول) 2014.

ونقل الأحمر أمواله ونشاطه التجاري والسياسي إلى تركيا، وظهر في مناسبات عدة ليعبر عن دعمه للأحلام التوسعية التركية، وآمال في استعادة مجد الإمبراطورية العثمانية الغابرة، كما أشرف على تنظيم مهرجان دولي في إسطنبول تحت عنوان "شكراً تركيا" شارك فيه أقطاب التنظيم الدولي للإخوان من مختلف دول العالم، ورصد جائزة لأجمل قصيدة في مدح تركيا وأردوغان!! في الوقت الذي كانت المجاعة تقتل اليمنيين.

وإلى جانب الأحمر، برزت الناشطة اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، التي حصلت في الأثناء على الجنسية التركية بعد حصولها على جائزة نوبل في 2011، والتقت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها وقدمت له شرحاً لخطط حزبها الإخواني في اليمن وأهدافه الخفية والمعلنة، كما نقلت نشاطها الإعلامي والسياسي المعادي للتحالف العربي، إلى مدينة إسطنبول عبر قناة بلقيس، الممولة من قطر.

ولم يقتصر دورإخوان اليمن في خدمة المشروع التركي على عدد محدود من قيادات الجماعة، إذ يوجد المئات منهم في تركيا، مثل القيادي الإخواني وعضو مجلس شورى الإصلاح، صلاح باتيس الذي أنشأ مؤسسة "وقف أويس القرني لليمن" في تركيا، التي يعتقد أنها باتت غطاء لتبييض أموال الإخوان وإيصال الدعم المالي التركي للجماعة في اليمن.

ويتجاوز النشاط الذي يسوق لدور تركي مرتقب في اليمن الجانب السياسي والإعلامي إلى الجانب العقائدي، الذي يتبناه القيادي الإخواني، وأحد أبرز منظري الجماعة الشيخ عبدالمجيد الزنداني المدرج على اللائحة الأمريكية للإرهاب، والذي ظهر في مقطع فيديو باكياً عقب الانقلاب العسكري الذي كاد يطيح بأردوغان في 2016.

"خلافة تركيا"

وتبنى الزنداني في احتجاجات 2011 التي شهدها اليمن وعدد من الدول العربية، خطاباً أيديولوجياً يتمحور حول التبشير بعودة دولة الخلافة، التي تحولت إلى واجهة للطموحات التركية الحديثة المدفوعة برغبة في استعادة نفوذ الرجل المريض. 

وإلى جانب القيادات العقائدية في الفرع اليمني لتنظيم الإخوان التي يتكئ عليها المشروع التركي في حلمه للعب دوره في اليمن، لعبت الأموال القطرية ودائرة المصالح والاستقطاعات الموازية دوراً في تجنيد سياسيين يمنيين لخدمة هذا المشروع من خارج دائرة تيارات الإسلام السياسي.

وتهدف هذه الخطوة إلى التنويع العمودي والأفقي في قائمة الموالين لمشروع قطر، وتركيا في اليمن، ومن أبرز الوجوه التي تلعب دوراً بارزاً في هذا السياق، وزير النقل المستقيل صالح الجبواني الذي يوصف عادة بالسياسي المتلون، بالنظر إلى تاريخه الحافل بالتحولات السياسية من النقيض إلى النقيض.

وأثار الجبواني الجدل بعد تعيينه وزيراً للنقل وزيارته لتركيا وتوقيعه اتفاقاً مع الحكومة التركية في مجال النقل البحري وإدارة الموانئ والمطارات، تبرأت منها الحكومة اليمنية لاحقاً.

كما اشتهر بتصريحاته المعادية للتحالف العربي والمجاهرة بطلب التدخل التركي في اليمن ورفض اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وإلى جانب الجبواني يظهر صف طويل من السياسيين والإعلاميين والناشطين اليمنيين على الشبكات الاجتماعية الذين يروجون لخطاب متطرف وصادم يجاهر علناً بدعوة تركيا للتدخل في الملف اليمني.

ومن هؤلاء يبرز السياسي اليمني متقلب الولاءات والمواقف وعضو مجلس الشورى علي البجيري، الذي ظهر في الكثير من مقاطع الفيديو، وهو يناشد تركيا للتدخل في اليمن، كما كشف في أحد تلك التسجيلات لقاءات عقدها سياسيون وأكاديميون يمنيون في تركيا طالبوا فيها أنقرة بالتدخل في اليمن.

وشارك العشرات من الإعلاميين والناشطين المعروفين بانتمائهم للإخوان أخيراً في حملات إعلامية ممنهجة للمطالبة بدور تركي في اليمن، على غرار ليبيا. ولم تقتصر المطالبات على إخوان اليمن، بل شاركت قيادات إخوانية عربية في حملة التبشير بتدخل من هذا النوع مثل الإخواني الكويتي ناصر الدويلة.

أطماع

وفي الجهة التركية، لم يخف كتاب وصحافيون مقربون من النظام التركي مطامع أنقرة في اليمن،مثل الكاتب التركي إسماعيل ياشا الذي نشر مقالاً في صحيفة "ديريليشن بوستاتي" التركية بعنوان "اليمن ينتظرنا" لوح فيه بتدخل تركي في اليمن.

ورغم وجود قيادات الحكومة اليمنية الشرعية وكثير من قيادات إخوان اليمن في دول التحالف العربي، إلا أن العامين الماضيين شهدا ما يشبه موجة نزوح سياسي لافتة إلى تركيا، إذ يشير تقرير نشرته وكالة الأنباء التركية الرسمية إلى أن شراء اليمنيين للعقارات في تركيا ارتفع بمعدل 5 أضعاف.

ويؤكد التقرير أن عدد المنازل التي اشتراها اليمنيون في تركيا زاد في الأشهر التسعة الأولى من 2019 بمعدل 536% مقارنة مع ذات الفترة من 2015.

ووفقاً للتقرير، اشترى اليمنيون في تركيا 1082 منزلاً في أول 9 أشهر من العام الماضي مقابل حوالي 170 منزلاً فقط في الفترة ذاتها في 2015. ويأتي اليمنيون في المرتبة الـ15 بين أكثر الأجانب شراء للمنازل بتركيا في 2017، وفي المرتبة الـ11 في 2018 والتاسعة في2019.

ونقلت الوكالة في وقت سابق عن رئيس شركة العقارات الأمريكية كولدويل بانكر في تركيا، غوكهان طاش، أن "الملفت للانتباه في بيع المنازل للأجانب، هو زيادة عدد العقارات التي اشتراها اليمنيون في تركيا".

ولا يتوقف التأثير الإخواني على وجود قيادات الإخوان اليمنيين وبعض قيادات الشرعية في تركيا، إذ يتبين أن منصة فيس بوك، وببحث بسيط حول البلدان التي تدار منها حسابات قيادات وقنوات إخوان اليمن ومراكزهم ومنظماتهم، بما فيها حسابات قادة أحزاب يمنية، أنها جميعا تدار من تركيا، كما توجد في إسطنبول معظم القنوات ووسائل الإعلام الإخوانية اليمنية المعادية للتحالف العربي، مثل قناة بلقيس، ويمن شباب، والمهرية وغيرها.

مصراتة اليمنية

فتح التدخل التركي في ليبيا شهية الإخوان وأنقرة للبحث عن موطئ قدم في الملف اليمني على غرار التدخل في ليبيا والذي تشير المصادر إلى أن مصراتة الليبية الساحلية التي يسيطر عليها الإخوان كانت بوابته الأولى، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن نموذج مشابه في اليمن ووقع الاختيار على 3 مدن ساحلية حسب خبراء يمنيين ومصادر إعلامية هي سقطرى، والمخا، وشبوة.

وبدأت أنقرة تبث عيونها في خارطة اليمن الجيوسياسية لدراسة السيناريوهات وتهيئة الأرضية المناسبة في انتظار اللحظة المناسبة سياسياً وعسكرياً للانقضاض على الملف اليمني، ولهذا الغرض كان لا بد من تفعيل النشاط الاستخباري الذي شق طريقه متخفياً تحت عباءة العمل الإنساني والمنظمات الإغاثية التركية.

وكشف موقع "أنتليجنس" الفرنسي المتخصص في أخبار الاستخبارات في العالم، وأكد صحة التقارير عن استخدام أنقرة منظمات خيرية تركية ويمنية تابعة لجماعة الإخوان لتمرير جواسيسها إلى داخل اليمن.

وتكشف وثيقة مسربة، طلب تقدمت به جمعية الإصلاح الخيرية، للسماح لضباط استخبارات أتراك بزيارة المناطق المحررة بصفتهم موظفين في هيئة الإغاثة التركية، كما تظهر تسجيلات وصور لقاءات جمعت ضباطاً أتراكاً في أوقات مختلفة بقيادات إخوانية بارزة في المناطق المحررة وبعض مسؤولي السلطة المحلية في المحافظات المحررة.

ومن أبرز المنظمات التركية والقطرية التي تنشط في اليمن، جمعية الرباط التركية، وهيئة الإغاثة التركية، وجمعية الحق للإغاثة، ومنظمة تيكا التركية، والهلال الأحمر التركي، ومنظمة آفاد التركية وممثلها مصطفى دياز وهيئة الإغاثة التركية.

وفشلت خطة تركيا التي مولتها قطر وحركتها أذرع الإخوان في إيجاد موطئ قدم للتدخل التركي في سقطرى بعد سيطرة المجلس الانتقالي على الجزيرة ومغادرة المحافظ رمزي محروس، الذي تؤكد المعلومات أن نشاطه التصعيدي تزايد بعد زيارة إلى تركيا ظهر فيها برفقة قيادات إخوانية متشددة.

كما أعاق وجود قوات المقاومة اليمنية المشتركة في الساحل الغربي المخطط التركي الذي ينفذه حمود سعيد المخلافي للسيطرة على ميناء المخا، لتنصب اهتمامات الإخوان لاحقاً على محافظة شبوة اليمنية  على ساحل بحر العرب، والتي لا تبتعد كثيراً عن القواعد العسكرية التركية في الساحل الصومالي.

وكثف إخوان اليمن نشاطهم للهيمنة على شبوة بخطة ممنهجة لاستبدال القيادات غير الإخوانية، وبرز التركيز على كل ما له علاقة بالساحل، بإقالة كل القيادات العسكرية والمدنية التي تربطها صلة بنشاط السواحل والموانئ، وتعيين قيادات إخوانية فيها، ومن أبرز مظاهر هذه الاستراتيجية، تعيين قيادات جديدة في خفر السواحل، وهيئة الاصطياد البحري، وميناء بلحاف، وإنشاء معسكرات جديدة بتمويل قطري يشرف عليها وزير النقل المستقيل صالح الجبواني، تتبنى عقيدة معادية لدول التحالف، ومؤيدة لتركيا وقطر.

وتزامن كل ذلك مع حملة إعلامية على قوات التحالف العربي في بلحاف والساحل الشبواني، وتحولت في بعض المراحل إلى هجمات عسكرية. وأعلن محافظ شبوة أخيراً عن تدشين منتجع سياحي في منطقة بير علي، أكبر ممر لتهريب السلاح للحوثيين بين 2016 و2018 نظراً لخصائصها الجغرافية.

ويخشى مراقبون أن يكون ذلك مجرد غطاء لتمرير شحنات أسلحة قد تكون قادمة من إيران، وهو ما كشفه القائد العسكري الإخواني في تعز عبده المخلافي الشهير بـ"سالم"، الذي تحدث في تسجيل مسرب عن وعود تركية بتقديم أسلحة وعربات.

على طريقة إيران

لم يخف إخوان اليمن يوما رغبتهم في البحث عن حليف إقليمي يخدم توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية وهو الأمر الذي لم يجدوه في التحالف العربي، وتكشف أحاديث وتسريبات لمجموعة من قيادات الإخوان في اليمن عن تفكير الجماعة جدياً في البحث عن حلفاء جدد للحزب في اليمن، وهذا الحليف المفترض هو تركيا التي تحولت إلى حاضن إقليمي ودولي لأنشطة جماعة الإخوان حول العالم.

وعلى الطرف الآخر وجدت أنقرة ضالتها في فروع جماعة الإخوان الذين استخدمتهم أدوات لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية على النمط الإيراني.
وبينما تبدو رغبة أنقرة أكثر وضوحاً في حصد مكاسب اقتصادية من خلال تدخلها في ليبيا، إلا أن محاولة إيجاد موطئ قدم لها في خاصرة الجزيرة العربية، باتت جزءاً من مخططها للتوسع في المضائق المائية والبحار المفتوحة، في مقدمة للتحول إلى قوة دولية جديدة كما تكشفه طموحات رئيسها رجب طيب أردوغان وتصريحاته.