آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-01:31ص

فن وثقافة


قوت القلوب.. دراما اجتماعية ضلت طريقها

قوت القلوب.. دراما اجتماعية ضلت طريقها

الثلاثاء - 08 سبتمبر 2020 - 01:00 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - العرب

توقع متابعون أن ينضم مسلسل “قوت القلوب”، بطولة الفنانة ماجدة زكي والفنان خالد زكي، إلى ثلة من الأعمال التي تغوص في قاع المجتمع، وترصد الفوارق بين الطبقات، لأن الحلقات التي عرضت منه أوحت بذلك، حيث عرض منه 25 حلقة ثم توقف قبيل شهر رمضان، وبدأت محطة “الحياة” المصرية قبل أيام إعادة الحلقات السابقة بصورة مجمعة، تمهيدا لاستكمال باقي حلقات العمل.

 لا تزال بعض الأعمال القيمة محفورة في ذاكرة الكثير من المصريين، حيث تنتمي إلى تلك النوعية الاجتماعية، مثل “الحاج متولي” و”العطار والسبع بنات”، و”أبوالعروسة”، و”سابع جار”، غير أن مسلسل “قوت القلوب” أحبط بعض المتابعين، ولم يرتق إلى التوقعات التي عولت عليه ليكون في طليعة السلسلة الرائدة.

فتح “قوت القلوب” أزمة فنية عميقة تتمثل في كيفية إحداث التأثير المرجو من عمل فني دون مباشرة ومبالغة قد تفقدانه قيمته، وتجعلانه أقرب إلى حقن أخلاقية يتم تلقيح الجمهور بها في كل حلقة.

العقدة في المسلسل لم يكتف فيها صانعه فقط بالمبالغة الشديدة في رسم شخصية بطلته، وهي أم تتولى تربية أبنائها الخمسة بعد وفاة والدهم خلال عمله كحارس أمني في شركة ما، بجعلها شخصية ملائكية ومغامرة ومقدامة، وازداد الأمر سوءا بكثرة الشخصيات وتفريعاتها، ورغبة المؤلف في عمل خطوط درامية عديدة داخل المسلسل تخص كل بطل من أبطال المسلسل، بشرط أن يصب كل خط منها في القصة الرئيسية الضبابية.

يبدو المشاهد أمام عمل لا يخلو من تطويل، ما جعل المسلسل يفتقد إلى البناء الراسخ، في مشاهد ممطّطة، لا تجد صعوبة في توقع أحداثها، انطلاقا من معرفة الدور الذي تقوم به كل شخصية، لأن الخيوط المتداخلة التي تربطها تكاد تكون متشابهة.

كما ظهرت شخصيات المسلسل وكأنها مضطربة أكثر من اللازم، وتقف أمام مجموعة من التصرفات المتناقضة لكل منها، تتداخل فيها الرسائل ومعاني الخير والشر بعشوائية لا تعكس قصدا للاضطراب في ذاته، فلا تملك إجابة عن سبب يجعل الشخصية الرئيسية في المسلسل قوت (الفنانة ماجدة زكي) تتأرجح بين العصامية الشديدة والتورط في أزمات عديدة لمجرد رغبتها في المساعدة.

وذلك في مواجهة سلبية من الأطراف المقابلة، والتخلي عن الحق وخوض معارك غير منطقية، وتتنازل عن الواجبات الرئيسية أمام معاني التسامح والعفو والإيمان.

ولأكثر من 15 حلقة، يُمهد المخرج المشاهد لعقدة المسلسل التي تبدو غير مفهومة للغاية، بين قوت القلوب ورجل أعمال جابر طاحون (الفنان خالد زكي) كانت سببا في إفاقته من الغيبوبة، وبعدها يتعرف عليها كإحدى ضحاياه القدامى.

يبدأ الأمر في الحلقات التالية بالانكشاف ببطء ومبالغة شديدة بين شخصيات عادت من الموت، عن جريمة ينتهي الجزء الأول من المسلسل دون الكشف عن ألغازها.

أما شخصية رجل الأعمال التي يُفترض أنها تمر برحلة تطهير ذاتي، فقد فشل المسلسل في تقديمها، أو تجسيد رحلتها النفسية تلك أو دوافعها، واعتمد كليا على أن أحلام رأتها الشخصية خلال فترة غيبوبة إثر حادث، كانت سببا في دفع تلك الشخصية إلى مراجعة الذات، والصراع الخفي، الذي كان من الممكن رسمه على نحو أكثر دقة ومساحة، ليكسب العمل عمقا، وتصبح تلك الشخصية محور المسلسل وليست قوت.

باقي شخصيات العمل، مجموعة من الكليشيهات المعادة بقدر كبير من النمطية؛ إذ يجب أن يُحب ابن قوت ابنة محام شهير جبار، وهو أيضا محامي رجل الأعمال الذي أفاق من الغيبوبة، وتربط علاقة حب أخرى بين نجل قوت الثاني الطبيب وبين ابنة طاحون، وإعجاب بين الضابط وابنة قوت الجامعية، وهكذا ترتبط كل خيوط المسلسل بقصص لشخصيات تطفو على السطح فجأة دون جذور فنية.

لم يكتف المسلسل برسائله الصاخبة، وهي كثيرة، بل يحاول ترسيخ مفهوم “القدرية” مقابل الدعوة إلى تبني قيم الدفاع عن الحق وربطه بين السلبية مقدمة في إطار ديني حيث السماح والعفو، والخروج من الأزمات المفتعلة بطريقة أكثر افتعالا، ويسأل المشاهد نفسه، ألا توجد سوى عائلة قوت لتخرج من أزمة فتدخل في أخرى؟

أضفت الموسيقى التصويرية الحزينة بالإسراف فيها، مع تصوير بطيء لا تخلو حلقة واحدة منه، حالة من الملل والرتابة على العمل، فقد يمكث المشاهد دقائق عدة يشاهد حركة البطلة البطيئة أو شرود رجل الأعمال، وكذلك الشخصيات الأخرى التي تورطت في المط مقابل غياب الجوهر والدوافع ورسم سمات الشخصية.

بدت أكثر شخصية متقنة في البناء الدرامي شخصية عزة بنت قوت (الفنانة سهر الصايغ) التي نجحت في تقديم شخصية تعاني عقدة الحرمان من النسل مقابل رغبة شرهة في امتلاك المال والوصولية، فهي الشخصية الوحيدة التي يستطيع المشاهد فهم دوافعها، وكذلك شخصية الطبيب حسن، وقد أداها الفنان الشاب إسلام جمال، لولا تبدله في بعض المواقف غير المفهوم، مثل امتعاضه من عمل والدته ومعارضته في الوقت ذاته لقرارها بالتخلي عن عملها طلبا للإحالة على المعاش المبكر.

استطاعت الفنانة ماجدة زكي تقديم شخصية الأم في صورة مختلفة عن ملامحها السابقة، لكنها وقعت في شرك المبالغة في الانفعالات، وكأنها أم تعيش في منتجع سياحي وليست شخصية ذات هموم، فضلا عن التحولات النفسية السريعة، وظهور غالبية المشاهد بأدوات تجميل لا تتناسب مع طبيعة الدور، والأزمات العميقة التي تواجه صاحبته، فهي أم لخمسة أبناء وعاملة في مدرسة، وسوبر مان لا يتوانى عن التدخل لحل مشكلات الجميع.

ظهر في المسلسل لأول مرة نجل الفنانة ماجدة زكي، والفنان كمال أبورية، في دور “عوض” صديق نجلها خالد، وهو شخصية صعيدية حاول من خلالها الفنان الشاب إتقان اللكنة الصعيدية المميزة، لكنه لم يتقنها على نحو كامل، وبدا على مستوى الحضور مقبولا، مع أن مساحة الدور لا تؤهل للحكم عليه بشكل نهائي، مع الظهور الأول.

رغم المشاكل الفنية الكثيرة التي يعاني منها المسلسل، تجذب الأنظار مشاهد أخرى تتجمع فيها العائلة حول المائدة أو في جلسة سمر وغناء، لأسرة متوسطة مكافحة، استطاعت أن تُخرج أفرادا بين الطبيب والمدرّسة والمحامي والطالبة الجامعية والشاب الراغب في الغناء، لتضيف أجواء من الدفء في ظل افتقار الدراما لتلك المشاهد.

يعد المسلسل محاولة لعمل فني اجتماعي، ضره المط والتطويل، وهي أزمة كثيرا ما تواجه الدراما، فلا يزال بعض صناعها عاجزين عن تقديم شخصية البطل في صورة حية من لحم ودم، يشعر كل مشاهد أنها تجلس على الأريكة المجاورة له.

إذا مضت الحلقات المتبقية في الجزء الثاني على هذا المنوال، سيكون العمل قد فقد أهم مزاياه وهو الروح الجماعية، فكل الممثلين يؤدون بطريقة تنطوي على التكامل، والحرص على النجاح، أما إذا تخلص من هذا العيب فمن الممكن أن تكون قد حدثت مراجعة، خاصة أن جزءا كبيرا من حلقات الجزء الثاني، جرى تصويره بعد عرض الجزء الأول، وتلقي ردود أفعال يمكن أن تمثل إسهاما جيدا لتصويب الأخطاء.