آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-02:49م

فن وثقافة


طفلة سورية.. تحكي عن رحلة اللاجئين هربا من الموت

طفلة سورية.. تحكي عن رحلة اللاجئين هربا من الموت

الأربعاء - 23 سبتمبر 2020 - 01:34 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - وكالات

منذ سنوات كنت أشاهد عبر شاشات التلفزيون ريبورتاجا حول طفل صغير من سكان غزة، كانت قد تعرضت مدرسته للقصف، ويبدو أنه أصيب بحالة نفسية عصية على العلاج، فبات أسير غرفته وتحديدا سريره، لا يبرحه إلا لدخول الحمام أو أحيانا لتناول بعض الطعام، وبعد مراجعة المعالجين النفسيين تأكد لهم أن الطفل يشعر باللوم بعد تلك الحادثة التي نجا منها هو، بينما قضت على أرواح معظم زملائه في الصف.

لسنوات، تابعنا العشرات من القصص والتحقيقات الصحافية، التي كانت تؤكد على الأثر النفسي الذي يتعرض له الأطفال المحاصرون أو الذين يعيشون في مناطق غير آمنة، والتي تتسبب بأمراض كارثية تتجاوز في ألمها الأمراض الجسدية.

أطفال سوريا ليسوا أوفر حظا من أطفال غزة، فقد سمعنا وتابعنا عبر كثير من وسائل الإعلام العشرات من القصص أيضا حول الأذى النفسي الذي طال العديد من الأطفال، سواء من بقي منهم في سوريا، أو غادر عبر رحلات الموت، ولكن ما لم نسمعه بقي هو الأعظم.

تدور أحداث قصة “رحلة السوريين للهروب من الموت”، التي كتبتها الطفلة رغد شواف والصادرة عن دار لولو للطباعة والنشر، حول سارة الطفلة السورية التي اضطرت بعمر صغيرة جدا، لمغادرة سوريا برفقة عائلتها هربا من الموت، وبحثا عن مكان آمن.

تعتبر “رحلة السوريين للهروب من الموت”، أقرب إلى “النوفيلا” (القصة الطويلة) منها إلى الرواية، فعدد صفحاتها لا يتجاوز 150، قامت الكاتبة الصغيرة بتقسيمها إلى خمسة فصول، وضعت لكل فصل منها عنوانا يشير أو يمهد له، ولم تنسَ أن تبدأ بمقدمة تستهل فيها السبب الذي دفعها إلى كتابة تلك القصة، فتقول “من الصعب على الأطفال معايشة الحرب، لأنها تؤثر على مستقبلهم، وكان لمتابعة أخبارهم سواء من خلال والدي أو عبر وسائل الإعلام الأثر الكبير في نفسي وهو ليس أثرا سلبيا فقط، وإنما إيجابي لأنه ألهمني الكتابة عنهم”.

تكتب شواف قصتها من وجهة نظر الأطفال، واختارت اللغة الإنجليزية، لأنها الأسهل والأقدر للتعبير عن مشاعرها وأحاسيسها، وهي بالمناسبة تتقن اللغة الألمانية، لأنها ولدت في ألمانيا حيث كان والدها يدرس، وبدأت أولى سنوات الدراسية هناك، كما أنها تجيد العربية، لكونها تنتمي إلى عائلة سورية، لكن اللغة الإنجليزية هي لغتها في المدرسة منذ سنوات انتقالها وعائلتها إلى المملكة العربية السعودية، تقول الشواف “رغم أن لغة الكتاب هي الإنجليزية إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنه موجه للأجانب فقط، فهناك فئة كبيرة من العرب تجيد الإنجليزية”.

ورغم أن شواف في الواقع، لم تعش تجربة اللجوء ولا تعرف تفاصيلها، لكنها كانت قد سمعت الكثير من القصص حولها من خلال أقربائها وأصدقائها اللاجئين، وقامت بتوليف تلك القصص وأضافت لها أحداثا من مخيلتها، لتظهر بتلك الصورة كما جاءت في النوفيلا.

تقول شواف “استندت إلى قصص واقعية كنت قد سمعتها من قبل عن الأطفال السوريين اللاجئين وكانت تحكي ذكريات معاناتهم أثناء رحلة اللجوء، وجمعت أكثر القصص تأثيرا في نفسي، ثم قمت بتوليفها بعد أن أضفت لها بعضا من الأحداث من مخيلتي، كما أنني استعنت للكتابة بما سمعته عن رحلات اللجوء من خلال والدي أو من خلال نشرات الأخبار أو الصحف والمجلات التي كانت تكتب عنها”.

تبدأ شواف قصتها في فصلها الأول المعنون بـ”الوطن الآمن”، بيوميات سارة الطفلة السورية التي لم تتجاوز السابعة من عمرها حينها، والتي كانت تعيش حياة سعيدة وآمنة وسط عائلة ميسورة الحال، ويتعرض الفصل لعلاقتها القوية والحميمة بصديقتها لونا التي كانت تمارس معها معظم تفاصيل الحياة، سواء العائلية أو المدرسية، إلى أن تنقلب الأوضاع في الفصل الثاني المعنون بـ”مغادرة الوطن”، حيث بداية الأحداث في سوريا.

تصف شواف الأوضاع غير الآمنة التي باتت تعيشها سارة والتي منعتها حتى من ممارسة حقها في الذهاب للمدرسة، وقرار العائلة بمغادرة سوريا إلى ألمانيا، وكيف ستصر سارة على اصطحاب صديقتها لونا وعائلتها.

كما تقدم في هذا الفصل فكرة عن مشقة رحلة اللجوء غير الشرعية بالنسبة إلى طفلة، ستغادر سوريا إلى تركيا برا عبر حافلة ثم مشيا على الأقدام في الغابات المظلمة، لتنتقل بعدها عبر قوارب الموت إلى اليونان ومنها إلى أوروبا، وهي رحلة تضم الهاربين من سوريا سواء كانوا فقراء أو ميسوري الحال، وستنتهي بالموت أو بالنجاة كما يشير الأب ولاحقا المهربون.

 أما في الفصل الثالث فهو أشد الفصول قسوة من حيث مشقة الرحلة لأن سارة ستفقد فيه صديقتها لونا غرقا، بينما يبدو الفصل الرابع أكثر الفصول زهوا، حيث تصل العائلة إلى ألمانيا ويتم استقبالها وتسليمها البيت الجديد، وتلتحق سارة بمدرستها الجديدة، وتنتهي القصة بالفصل الخامس والأخير الذي يحمل الكثير من أمنيات الشواف، بانتهاء الحرب وعودة سارة التي أصبحت شابة لزيارة الوطن المنكوب الذي دمرته الحرب.

القصة التي استغرقت عشرة شهور من الشواف لكتابتها، لم يكن في نيتها تحويلها إلى كتاب، بل كانت مجرد تجربة وكنوع من الهواية، لكن والديها وبعد الاطلاع عليها أرسلاها لبعض المختصين في هذا المجال، فوجدت طريقها للنشر.

 تقول رغد شواف “كانت القصة تحتاج للتعديل لعدة مرات قبل أن تصبح جاهزة للنشر، ولقد استعنت في سبيل ذلك بالدكتور عمر جبق أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة الملك سعود، الذي عدل في النص فنيا ولغويا، بشكل لا يمس من المضمون، ولغتي الإنجليزية ما زالت بسيطة، فقام بتجهيز المادة لتأخذ شكل القصة الأدبية من حيث المقاطع والفصول وتقسيمها، ووضع الفواصل والنقط، كما اقترح بعض النصائح لإعادة صياغة الجمل بشكل أفضل”.

ورغم أن “رحلة السوريين الهاربين من الموت” كانت قد صدرت عن دار لولو وهي دار تهتم بالكتّاب حديثي العهد وتساعدهم على نشر إبداعاتهم، إلا أنها لاقت صدى لدى وسائل الإعلام وخاصة السورية منها، واستطاعت أن تصل إلى عدد كبير من القراء.

عن تلك النقطة تقول شواف “يعود السبب في ذلك إلى دار النشر التي قامت بتوزيع القصة على العديد من دور النشر الأخرى، كما أن التغطية الإعلامية التي رافقت القصة كانت السبب في أن تصبح مؤخرا ضمن قوائم موقع أمازون ومواقع أخرى مماثلة له في الهند والصين، وفي أماكن كثيرة من العالم”.

اليوم رغد شواف في مرحلة الثالث المتوسط من دراستها، وما يهما بالدرجة الأولى هو دراستها لأنها مستقبلها، ولكنها إلى جانب ذلك لا تخفي رغبتها في إعادة تجربة الكتابة لاحقا.