آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-05:01م

فن وثقافة


الطلاق بعد الحُب مرض ينهش كيان العائلة

الطلاق بعد الحُب مرض ينهش كيان العائلة

الثلاثاء - 29 سبتمبر 2020 - 12:45 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - وكالات

أتزوج عن حب أم بطريقة تقليدية؟ سؤال افتراضي طرحه الشاب المصري محمود عدلي صاحب الـ24 عاما، على مجموعة من أصدقائه الذين سبق لهم الزواج، فجاءت أغلب الإجابات صادمة بالنسبة له، حيث أبلغه نحو خمسة منهم بأن الحب وحده لا يمكن أن يقيم أسرة متماسكة، بينما الزواج بشكل عقلاني له الأفضلية في استمرارية العلاقة لأطول فترة.

لم يقتنع محمود بكلام رفاقه، واتجه لعرض الأمر على أحد أقاربه الذي يعمل طبيبا نفسيا واستشاريا في العلاقات الأسرية، لمقارنة رأيه حول الزواج العاطفي والتقليدي، بما سمعه من أصدقائه، ومدى واقعية نصائحهم. واكتشف الشاب الحقيقة التي لم يكن يتوقعها، وهي أن أغلب الزيجات التي نشأت عن حب في أغلب المجتمعات العربية انتهت بالطلاق في وقت قياسي.

وقال عدلي، وهو ينقل الكلام على لسان الطبيب النفسي، إن الكثير من الذين يتزوجون عن حب من فاقدي العقل أمام نزعة العاطفة، لأن اهتمامهم ينصب على الصفات الحسنة دون التركيز على السلبيات، ويصطدمون بواقع مغاير تماما، فهناك اختلاف في الأولويات والأفكار والطموحات وطريقة معالجة مشكلات الأسرة.

ويتذكر أن أحد الأصدقاء أبلغه بأن الفتاة التي أحبها كانت تغار عليه، وبعد الزواج تحول الأمر إلى غيرة مرضية وصلت حد الحصار والمطاردة ومطالبته بترك الوظيفة بسبب وجود فتيات معه في نفس القسم، ومع الوقت تصاعدت المشكلة، وتحول الحب المفرط إلى كراهية بغيضة، ووصلت العلاقة إلى طريق مسدود، وصارت الأسرة مهددة بالانهيار.

تفسر هذه الواقعة الأسباب التي بنى عليها إسلام عامر نقيب المأذونين المصريين كلامه، حول أن 75 في المئة من المتزوجين عن حب، تنتهي علاقتهم الأسرية بالطلاق.

وقال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن الظاهرة منتشرة على نطاق واسع في المجتمعات العربية، باعتبار أنها تسير على وتيرة متقاربة في شؤون الزواج، ناصحا الشباب باللجوء إلى إحكام العقل عند الارتباط. 

ولأن حالات الطلاق وصلت إلى مستويات قياسية، بدأ أغلبية الذين يفكرون في الزواج يبحثون وراء الطريقة الناجحة، ويطرحون السؤال هل الزواج التقليدي أم عن حب أفضل؟ وبغض النظر عن طبيعة الإجابة، التي تتوقف على ظروف كل مجتمع، تظل هناك قاعدة واحدة، بأن هناك فقدانا للاستمرارية المطلقة.

وعندما تحدثت شيماء فريد، صاحبة الثلاثين عاما، لـ”العرب”، حول أسباب انفصالها عن حبيبها بعد عام واحد من الزواج، اختصرت حكايتها في أنها تزوجت من شخص عديم المسؤولية.

وكانت تغض الطرف عن هذه الصفة السلبية قبل الارتباط، لأن حبها دفعها إلى التنازل لتعيش معه تحت سقف واحد، حتى فقدت القدرة على القبول بالأمر الواقع أمام صعوبات الحياة وقسوة الظروف.

ويشير كلام المطلقة الصغيرة إلى أن الحب قد يبني علاقة عاطفية صلبة، لكن ليس بالضرورة أن يؤسس لأسرة متماسكة ومتفاهمة مؤهلة لتجاوز أزماتها بسهولة. فكل طرف يعيد اكتشاف الآخر بعد الزواج بما يتوافق مع مستجدات المرحلة، وصارت هناك مشكلات وأزمات مادية وخلافات في وجهات النظر حول الإنجاب والإنفاق ومواجهة ضغوط الحياة.

وأكد خبراء العلاقات الأسرية أن هذه الأمور لم تكن موجودة قبل الزواج، فالشاب اهتم بالكلام والمشاعر والصفات الحسنة، والفتاة كذلك. والآن أصبحت هناك شراكات تحتم على الطرفين تنحية الرومانسية جانبا للتفكير في التخطيط للمستقبل، من هنا تنشب الخلافات، حيث ينتظر كل طرف من الآخر أن يبادر بالتضحية تحت معنى الحب، فلا أحد يتقدم خطوة إلى الأمام.

وأكدوا أن معضلة الكثير من المتزوجين تتمثل في أنهم لا يتأهبون نفسيا للتعايش مع مرحلة صعبة، والتحول من العاطفة والرومانسية إلى المسؤولية، ومن الطبيعي على الطرفين أن يبدآ رحلة اكتشاف بعضهما في عالم ما بعد الزواج، بعيدا عن اقتصار النظرة على الجانب الإيجابي بعين المحب والملهم.

وأوضحت أسماء عبدة، استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن الزواج عن حُب غالبا ما يتجنب فيه الطرفان التخطيط لمواجهة المشكلات المستقبلية، ويكون التركيز فقط على الارتباط الرسمي، وتجاهل السلبيات، ويتم غض الطرف عن التباعد الفكري وقلة النضج العقلي والحياتي، ومع أول مشكلة أسرية تزول الرومانسية.

وأضافت أن خبرة الكثير من الشباب والفتيات الزوجية تستقى غالبا من الدراما والسينما، ومحاولة تطبيقها واقعيا، وهو ما جعل الكثير من الأزواج والزوجات يعتقدون أن الحب بوابة مثالية لمواجهة المشكلات الأسرية.

ويصعب فصل انتشار الزواج العاطفي في المجتمعات العربية عن تنامي الانفتاح الأسري بمنح الأبناء حق اختيار شريك الحياة، وتحميلهم مسؤولية قراراهم.

ولم تعد الكثير من الأسر تفرض رأيها مثل الماضي، أو تتحرى عن العائلة التي سوف تقيم معها علاقة نسب ومصاهرة، بعكس ما يحدث في الزيجات التقليدية التي تبدأ من التعارف قبل تلاقي الشاب والفتاة.

ويرى المختصون في العلاقات العائلية، أن زيادة حالات الطلاق القائمة على زواج عاطفي، لا يعني أن الارتباط التقليدي ناجح في المطلق. وهناك زيجات تنتهي قبل أن تبدأ، لكن الاستمرار من عدمه يكون على أسس عقلانية تقيس معايير التوافق المادي والفكري والاجتماعي والتعليمي، أيّ أن العقل هو المتحكم، وليس عاطفة الحب التي تقبل التنازل.

ولفتوا إلى أن الفتاة التي يتقدم شاب لخطبتها بشكل تقليدي قد تفسخ الخطبة بمجرد الشعور بأنه شخص بخيل أو عصبي أو كاذب، في حين أن قرينتها التي تقدم حبيبها لخطبتها قد تكون على علم مسبق بكل سلبياته، وتضحي وتتنازل حتى تُتوج العلاقة بالزواج والعيش معا، وسريعا ما تشعر بالندم وتفكر في إنهاء العلاقة، لكن بعد فوات الأوان.

وقال جمال فرويز المتخصص في الطب النفسي، إن الحب نشوة تنتهي بالعلاقة الزوجية، بعد شعور كل طرف بأنه امتلك الآخر عاطفيا، أما الزواج التقليدي ففيه تكافؤ أسري، بمعنى أن الاختيار يكون من العائلتين، وليس الشاب والفتاة فقط، ويتم التحري وراء كل شيء، من حيث السمعة والمعاملة والظروف المادية والاجتماعية.

وأوضح أن ميزة الزواج التقليدي أن تدخل أسرتي الشاب والفتاة للفصل في الخلافات بينهما يكون مفيدا وينتهي لحل المشكلات بعيدا عن التصعيد لاستمرارية العلاقة الأسرية بين كبار العائلتين، بعكس الزواج القائم على العاطفة، فقد تكون الأسرتان عدوتين ولا ترتضيان بالعلاقة منذ بدايتها لأنها تمت بطريقة لي الذراع من جانب الحبيبين.

ويظل التفاهم هو الحاكم الرئيسي لنجاح الزواج أو فشله، ولا توجد قواعد ثابت تؤكد أن هذا مفيد وذاك ضار، فطريقة إدراة العلاقة الأسرية تسهم بدور معتبر في الاستمرار من عدمه.