احتفالات صنعاء تتحول إلى مظاهرات وثورة شعبية تزلزل الشوارع.. خوف غير مسبوق بوجه الحوثيين
شهدت العاصمة المحتلة صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، مساء الثلاثاء، احتفالات صاخبة بعيد الـ61 من ثورة الـ26 من سبتمبر المجيدة، التي تحولت إلى مظاهرات حاشدة تجوب شوارع المدينة.
و اكتظت جولة ريماس وجولة الرويشان وباقي شوارع صنعاء الليلة، بالمواكب والسيارات والدراجات النارية، عليها الآلاف المواطنين ملوحين بأعلام الجمهورية بفخر ومرددين الأغاني الثورية؛ حيث وحّدوا أصواتهم خلف شعارات تؤكد التزامهم بالدولة المدنية والديمقراطية، وتعارض المشروع الحوثي الذي يرمز إلى الامتداد الطائفي للإمامة البائدة.
وأكد المشاركين في المسيرات أن هذه التظاهرة تبعث برسالة قوية للحوثيين ولكل من يحاول طمس هوية الشعب اليمني.
وقال أحد المشاركين، إن مكاسب ثورة 26 سبتمبر التي حررت اليمن من قبضة إمامة ظالمة استغلت شعبها ومواردها، لا يمكن التراجع عنها، لافتاً إلى أن المشاركة في هذه المسيرات تعتبر واجبا وطنيا على كل يمني محب للحرية يؤمن بالقضية الجمهورية ويرفض الانقلاب.
وتأتي التظاهرة العفوية بمثابة تأكيد جديد على الارتباط الشعبي الوثيق بثورة 26 سبتمبر ورفض واضح لمشروع مليشيات الحوثي المستورد من إيران، والذي يعد امتدادا طبقيا وطائفيا للنظام الإمامي البائد.
و شنّت مليشيا الحوثي قبل ساعتين، حملة اعتداءات بحق المواطنين الذين احتفلوا بها بشكل عفوي، إذ هاجمت عناصر بلباس مدني المشاركين في الاحتفال بجولة ريماس.
وطالت اعتداءات مليشيا للحوثي كل مظاهر الاحتفاء بثورة سبتمبر، والتي تجسّدت في تزيين المواطنين لسياراتهم بالعلم الجمهوري، وخروجهم بها إلى الشوارع احتفاء بذكرى الثورة على أنغام الأغاني الوطنية.
وخاض المتواجدين في جولة ريماس، اشتباكات ضد عناصر المليشيات الحوثية التي هاجمت تجمعات احتفالاتهم، حاملين لافتات ورايات خضراء تحمل شعارات طائفية.
وسقط ثلاثة جرحى من المواطنين، بعد أن قذفت المليشيات الحوثية الحجارة بشكل كثيف وعشوائي.
ورغم الاعتداء الحوثي واصل المواطنين في جولة ريماس بمنطقة حدةاحتفالهم مرددين صرخاتهم بـ "لا ملكية لا حوثية بعد اليوم ".
وأظهرت مقاطع فيديو تداولها النشطاء السياسيين والإعلاميين مساء الثلاثاء، على مواقع التواصل، مشاهد من المسيرات الحاشدة من جولة ريماس، التي هتف بها المحتفلين بصوت موحد (بالروح بالدم نفديك يا يمن).
الخبير العسكري الاستراتيجي محمد عبدالله الكميم، أكد في تعليقه على مظاهرات واحتفالات صنعاء، أن ما يحدث الليلة ثورة شعبية ضد مليشيا الحوثي.
وكتب الكميم تدوينة على منصة تويتر - إكس - : "قال لي احد زملائي من صنعاء وقد اقسم بالله العظيم وارسل لي عشرات مقاطع الفيديو ان مايحصل في صنعاء الليلة ليست احتفالات بل ثورة شعبية لم تكتمل اركانها بسببنا نحن وضعف شرعيتنا".
واضاف الكميم : "كما قال ، وقال انه لم يجد الرعب والخوف في وجيه الحوثيرانيين كما هو اليوم ، وقال ان هناك رعب حقيقي وخوف اسقط هيبتهم وانهاها في عيون الشعب".
وتابع الكميم : الفيدوهات التي وصلين لي فيهن الكثير من الشموخ والعظمة وانت تشاهد اطفال اليمن وهم يحملون اعلام الجمهورية من فوق السيارات وهم يرددون من وسط صنعاء، بالروح بالدم نفديك يايمن 🇾🇪
وكانت المليشيات قد حاولت مساء أمس الاثنين منع الناس من إحياء ذكرى يوم الثورة من خلال تمزيق الأعلام الوطنية واختطاف المشاركين من مختلف شوارع العاصمة صنعاء.
وأظهر الناس من خلال هذا التجمع الجماهيري، قوة المجتمع في مواجهة الإمامة الجديدة التي تمثلها مليشيات الحوثي؛ فضلا عن كون هذه التظاهرات تذكيرا بصمود المشروع الجمهوري الذي حاولت المليشيات الإرهابية باستمرار طمسه ومحوه من الوعي الوطني.
ورداً على الأعمال الانتقامية التي قامت بها الميليشيات، والتي شملت ملاحقة واختطاف العشرات من الأفراد في العاصمة المختطفة صنعاء ومحافظة إب، رد الأهالي اليوم بحشود أكبر؛ حيث يجسد هذا الإقبال الكبير مدى الرفض الشعبي لمشروع الحوثي.
وانتشرت أمس الاثنين على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعناصر نقاط التفتيش التابعة لمليشيا الحوثي، وهم يجبرون ملاك السيارات على نزع الأعلام، ويطاردون الشباب الذين يبيعونها في تقاطعات الشوارع، في حين ذكرت مصادر محلية أن رجال المرور التابعين للجماعة حرروا مخالفات مرورية للسيارات التي رفعت الأعلام، أو بثت النشيد الوطني.
وبينما اعترف القيادي الحوثي نصر الدين عامر، المعين رئيساً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، بهذه الممارسات، زاعماً أن مَن أقدموا عليها لا ينتمون لجماعته، بل مطلوبون لها، انتشرت (صباح الثلاثاء) مقاطع فيديو أخرى لسيارات تابعة للجماعة، وعلى متنها مسلحون حوثيون يعملون على نزع الأعلام التي رفعها الشباب المحتفلون في الليلة السابقة على الجدران وأعمدة الإنارة.
وطبقاً للمصادر، فإن الجماعة خطفت العشرات من الشبان الذين قاموا بتصوير ممارسات عناصرها ضد المحتفلين، ولم تتسنَ معرفة هويات الشباب المختطفين، باستثناء أحدهم، ويدعى فارس حرمل، الذي كان قد نشر ما قام بتصويره، بينما اختُطف الآخرون أثناء قيامهم بالتصوير.
وفي سياق متصل، فوجئ تجمع شبابي في محافظة ذمار قبل أيام، بأوامر من قيادات حوثية لوقف كل الاستعدادات والتجهيزات التي كان يجريها لتنظيم فعاليات احتفالية بذكرى الثورة.
ووفقاً لما أعلنه قادة التجمع الشبابي، فإن القيادات الحوثية أبلغتهم، بلهجة تتضمن تهديداً ووعيداً، بعدم تنظيم الاحتفالات، وعدم السماح لهم بالاقتراب من ملعب النادي الأحمر في مركز المحافظة، الذي كان التجمع الشبابي يعتزم إيقاد شعلة الثورة فيه، كما جرت العادة خلال الأعوام الماضية.
وذكرت مصادر أخرى في محافظة إب، أن مسلحين حوثيين اقتحموا تجمعات جماهيرية لسكان في حي الرضوان ضمن المدينة القديمة، كانوا يحتفلون بالرقصات والأغاني الوطنية، وأطلقوا النار لتفريقهم.
وسبق لجماعة الحوثي منع موظفي المركز الثقافي في مركز المحافظة من دخول مبنى المركز، بعد عزمهم على الاحتفال داخل قاعته بذكرى الثورة، وإيقاد الشعلة بالتعاون مع ناشطين سياسيين واجتماعيين في المحافظة.
وتزامن قرار جماعة الحوثي، بمنع الاحتفال في المركز الثقافي، مع تعميم وزّعته على مسؤولي الأحياء المعروفين بـ«عقال الحارات» في مختلف أحياء مركز المحافظة ومدنها، وشيوخ القرى والعزل، بمنع أي تجمعات خلال هذا الأسبوع، مشددة على الإبلاغ عن أي نوايا أو استعدادات لأي تجمعات.
وتأتي هذه الإجراءات بعدما أظهرت الأوساط الشعبية في المحافظة استعدادات كبيرة للاحتفال بذكرى الثورة من خلال رفع الأعلام الوطنية على أسطح المنازل وعلى السيارات وأبواب المحلات التجارية، ورسم العلم على الأبواب وجدران المنازل وخزانات المياه على أسطح البنايات.
بينما بالغت جماعة الحوثي بالاحتفال بذكرى انقلابها التاسعة؛ تعمدت منع أي مظاهر رسمية للاحتفالات بذكرى «ثورة 26 سبتمبر»، التي قامت ضد نظام حكم الأئمة الذي يصفه اليمنيون بـ«الثيوقراطي السلالي»، ويتهمون جماعة الحوثي بمحاولة استعادته، وإعادة اليمن إلى عهود الاستبداد والاضطهاد اللذين عاش في ظلهما خلال مئات السنين من سيادة ذلك النظام.
وذكرت مصادر أن جماعة الحوثي منعت تنظيم الفعاليات الاحتفالية بذكرى «ثورة 26 سبتمبر» في المدارس الخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، مشترطة دمج الاحتفالات بذكرى الانقلاب وذكرى المولد النبوي مع ذكرى الثورة في فعاليات موحدة، مبررة ذلك بعدم إضاعة الوقت على الطلاب.
يصف مدرس في جامعة صنعاء إلغاء الجماعة الاحتفالات الرسمية بذكرى الثورة منذ عام بـ«جرأة غير مسبوقة»، بعد أن كانت خلال السنوات السابقة تمارس المداهنة والنفاق تجنباً لردة فعل المجتمع الذي يزداد تمسكه وإيمانه بالثورة، وقد كانت احتفالاتها خلال الأعوام الماضية خداعاً مفضوحاً لدى الغالبية من اليمنيين، لكنها أرادت أخيراً إسقاط القناع والكشف تدريجياً عن حقيقتها.
ويتابع الأكاديمي، الذي فضّل عدم نشر بياناته، أن الجرأة تحولت إلى عدوان سافر بمنع المجتمع من التعبير عن اعتزازه وإيمانه بالثورة، وأن جماعة الحوثي تتوجه بالتدريج إلى إعلان موقفها الحقيقي من الثورة اليمنية، حيث لا يستبعد أن تقدم على رفضها للثورة ومعاداتها صراحة.
وأكد الأكاديمي اليمني أن مظاهر الاحتفالات الشعبية، على الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حملت رسائل شديدة التأثير، أدركت جماعة الحوثي كنهها، وأنها باتت معزولة تماماً عن المجتمع، فبدأت التصعيد لإسقاط قيمة الثورة من أذهان اليمنيين، فضلاً عن حملها رسائل أخرى بين اليمنيين أنفسهم عززت من يقينهم بضرورة المواجهة المباشرة مع الجماعة، وإسقاط مشروعها.