آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-03:11ص

في عمق الدولة المدنية الحديثة (2)

الخميس - 27 ديسمبر 2018 - الساعة 07:22 م

د . محمد حميد غلاب الحسامي
بقلم: د . محمد حميد غلاب الحسامي
- ارشيف الكاتب


 

ثانيا : تعريف الدولة المدنية الحديثة :

أقول وبإختصار شديد وموجز بأن الدولة المدنية الحديثة :

هي تلك الدولة المتحضرة التي تقوم وتنشأ على أنقاض الدولة المتخلفة, الاستبدادية, التسلطية والشمولية, والتي تكون ثمرة نافعة ومحصلة طبيعية ونتيجة حقيقية لكفاح ونضال أفراد المجتمع من أجل العيش والتمتع بحياة حرة كريمة أمنة ومستقرة.

وهي تلك الدولة التي تحمي وتصون جميع الحقوق العامة. ..لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية, الطائفية, الفئوية, المذهبية, العقائدية, الدينية, العرقية, الفكرية, القومية والحزبية, الذين يعيشون في كنفها في بقعة جغرافية محددة لها حدودها الجغرافية المعترف بها دوليا والمكفولة وفقا لأحكام القانون الدولي العام والذي تسمى ب,الوطن , وكذلك الذين يحملون جنسية ذلك الوطن ممن يعيشون خارجه والذين يسمون " مواطنون " تسمية حقيقية وليست مجازية ,وتدافع عنهم وعن حقوقهم أينما كانوا وحيثما إرتحلوا, بحيث يشعر ويحس ذلك الفرد بأن له دولة تحميه وتصونه وتدافع عنه سواء كان يعيش في كنفها الجغرافي أم خارجه.

وهي تلك الدولة القائمة على أساس المواطنة الحقة المتساوية, حقوقا كاملة متساوية وواجبات كاملة متساوية, وعلى أساس سيادة القانون على جميع أفراد المجتمع دون تمييز بينهم. ..وعلى أساس الديمقراطية الحقيقية بشقيها:السياسي, المتمثل في مبدأ التداول السل للسلطة وما يقتضيه ذلك......,والإجتماعي, المتمثل بالعدالة الإجتماعية لكافة أفراد المجتمع وما تقتضيه تلك.., وهذه هي" المواطنة الحقة المتساوية "، ويكون في هذه الحالة مستعدا إستعدادا تاما للدفاع عن الوطن والتضحية في سبيلة متى استدعت واقتضت الضرورة لذلك بكل غالي ورخيص من قبله حتى ولو كانت حياته ووجودة المادي الحياتي.., وهذه هي " الوطنية الحقيقية "..

هي تلك الدولة التي تقوم على أساس العقد الاجتماعي القائم بين مكوناتها الحاكمة والمحكومة والتي تكون العلاقة بينهم جميعا، حكاما ومحكومين، قائمة على أساس " أنا-أنت" و " أنت-أنا" وليست على أساس " العبد-السيد" أو " السيد-العبد"...

هي تلك الدولة التي يكون الإنسان الفرد فيها فاعلا رئيسيا في العملية السياسية في الوطن وجزءا أصيلا منها وفيها ومشاركا مشاركة فعالة وفعلية في كل الأمور التي تحدث فيه وتصيبه وتقرر مصيره، لا تابعا ذليلا وعبدا مطيعا وفاقدا لأية أهلية فيه..

هي تلك الدولة التي يكون فيها الإنسان الفرد إنسانا حرا ومستقلا ومتمتعا بكل حقوقه...ومؤديا لكافة الواجبات عليه تجاهها، تلك الواجبات التي لا يمكن لها بأن تؤدى من قبله إلا في حال حصوله على تلك الحقوق الواجبه له من قبلها، فإذا انتفت تلك الحقوق..وضاعت واهدرت.., انتفت تلك الواجبات..عليه تجاهها..

وهي تلك الدولة التي تضمن له تلك الحقوق..وتصونها وتدافع عنها وتنتصر لها متى ما تمت محاولة النيل منها من أي كائن كان..

هي تلك الدولة التي يجد الإنسان الفرد فيها ذاته وذاتيته ، ويجد فيها كرامته وإنسانية وآدميته، ويأمن فيها على حياته المادية والمعنوية ويشعر فيها بالأمن والإيمان والسلام والطمأنينة والاستقرار، ويضمن ذلك كله له ولأبنائه وللأجيال القادمة من بعده..

هي تلك الدول التي يعتز بها ويتفاخر بها ويفاخر بها غيره..

بمعنى آخر أعم وأشمل ومختصر :
هي "دولة الحلم" الذي نحلم بها ونسعى جاهدين لتحقيقها حتى تصبح واقعا معاشا وملموسا..


وعليه:
فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو :

لماذا في هذا التوقيت بالذات ,الحديث عن الدولة المدنية الحديثة, أو بصيغة أخرى ,هل فعلا نحن في هذا التوقيت بالذات محتاجون لتلك الدولة, وأعني بها,الدولة المدنية الحديثة؟

#الخلاصة :
لا وطنية حقيقية بدون مواطن حقيقي، ولا مواطن حقيقي بدون وطن حقيقي، ولا وطن حقيقي بدون مواطنة حقة متساوية، ولا مواطنة حقة متساوية بدون دولة مدنية حديثة بركائزها الأساسية...، بإعتبار تلك المواطنة الحقة المتساوية إحدى الركائز الأساسية المهمة لتلك الدولة المدنية الحديثة..
يتبع