الأفق السياسي للهدنة

استعادة الدولة مسألة لا يمكن ترحيلها أو تعطيلها باستخدام الهدنة.

وظيفة الهدنة هي تقليل الأضرار التي أصابت الناس من جراء الحرب، والبحث بين ركامها عن فرص لاستعادة الوعي لدى الانقلابيين بأهمية السلام للخروج من المأزق الذي وضعوا اليمن فيه بانقلابهم، وتسببهم في إشعال هذه الحرب المدمرة.

المؤشر الأساسي لنجاح الهدنة وإنهاء الحرب هو القبول ببناء دولة مواطنة بنظام سياسيي مدني تكون الكلمة فيه للناس. هذا هو الأفق السياسي الذي يجب أن تتحرك فيه. وبدونه، فإن أسباب الحرب تظل قائمة مهما بدا من أن مظاهر السأم منها وما يرافقها من ضغوط لوضع أوزارها ومغادرة مأزقها قد رتب بعض الحقائق التي يصعب تجاوزها.

ولمن يبحث عن حقيقة الحرب ودوافعها يمكنه أن يتتبع مجرى الحرب منذ اتفاق استوكهولم عام 2018 الذي عصف بالسلام وحول مسار الحرب تحويلاً أخل بالمعادلة ومعطياتها، وصارت عصبة المليشيات الانقلابية هي التي تشن الهجوم في مختلف الجبهات، وتحولت من مدافعة إلى مهاجمة. وفيما عدا الحالة الوحيدة التي طردت فيها هذا المليشيات من محافظات شبوة وحريب، أصبحت هي التي تقرر سير المعارك وزخمها وخفضها وتصعيدها. صحيح أنها منيت بالهزيمة في أكثر من حملة هجومية بعد أن زجت بالآلاف من الشباب والأطفال في محارق الحرب، لكنها ظلت متمسكة بالحرب لأسباب تتعلق بمشروعها السلالي البائس الذي لا يمكن أن يستمر بدونها.

يمكن القول إن الأفق السياسي للهدنة قد تحدد في مؤتمر جدة الذي عقد بحضور دول مجلس التعاون الخليجي، مصر، العراق، الأردن، والولايات المتحدة الأمريكية، والذي شدد على أن الحل السلمي في اليمن يجب أن يستند على المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216. وهو ما أكد عليه اللقاء الذي تم بين الاخ رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي ووزير الخارجية الأمريكي السيد بلينكن.

ذلك ما يجعل الحكومة الشرعية تخطو نحو الهدنة بأفق سياسي واضح. وإذا كان إعلان الهدنة الثالث قد خلا من هذا الأفق السياسي، فذلك لأن الانقلابيين يرفضون السلام ويتمسكون بانقلابهم، وهذا هو السبب المباشر للحرب، ما يعني أن شروط السلام، حتى بحدها الأدنى، تصطدم بإرادة متعارضة من حيث الجوهر مع مصلحة اليمن واليمنيين في السلام والاستقرار، وهي الإرادة ذاتها التي أقدمت على الانقلاب بالقوة على الشرعية الدستورية والتوافق الوطني وأشعلت الحرب لتؤسس ما يسمى نظام الولاية الذي تعفن في مراقد ومذابح ضحاياه ودعاته منذ أن شُرع على ذلك النحو الذي أدمى الأمة وما زال يدميها حتى اليوم.

ما يهمنا في هذه المسألة هو أن تكون مؤسسات الدولة الشرعية قد ذهبت إلى الهدنة محمولة بهذه الرؤيا السياسية، والتي يتوجب عليها معها أن تجعل من فترة الهدنة محطة تقييم ومراجعة شاملة للجهد السياسي والوطني العام لتدارك اللحظة التي يتوجب عليها وعلى قياداتها فيه أن تغادر ما تبقى من حسابات مضطربة لطالما تسلل منها الخصم في صور مختلفة من العبث والتفكيك الذي أورث البلد هذا الحجم من البؤس والمعاناة، ومعهما قدراً لا يستهان به من اليأس والإحباط.

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مقالات الكاتب