آخر تحديث :الثلاثاء-07 مايو 2024-11:21م

الزندانيون وعدن..

السبت - 27 أبريل 2024 - الساعة 02:35 ص

علي جعبور
بقلم: علي جعبور
- ارشيف الكاتب


كان أثير إذاعة عدن يصلنا بوضوح ونحن في أقصى الشمال، فيسافر بي الغناء العدني إلى المدينة الحلم.. والدي من محبي عطروش والمرشدي ومحمد سعد وقد أورثني هذا الحب.

منذ نهاية العام 94 عاد الكثير من الجنود "الزندانيون" من عدن بحكايات عن أسلمة المدينة الكافرة التي يباع الخمر في شوارعها وتخرج نسائها حاسرات، وعن بطولات (اليمنيين الأفغان) أولئك العائدين من جبال تورا بورا بحلم الخلافة، مأخوذين بنشوة انتصارهم على الروس، وقد رأوا في عدن الاشتراكية موسكو مصغرة.
وكانت عدن قد ارتسمت بذهني على شكل أغنية، وإن قُدّر للأغنية أن تكفر بشيء فستكفر بالقبح والشر والموت.

بعد الحرب المشؤومة بدأ أثير إذاعة عدن يضعف شيئاً فشيئاً حتى تلاشى، وأخذت إذاعة القرآن السعودية تطغى عليها بإستمرار، فكنت أسمع مثلا: "رحنا الى البندر في شهر نيسان" ثم يختفي الصوت ويظهر بدلا عنه:" كااااف هـ ي عيييين صااااد" بصوت الكلباني.
أسمع "بالله اعطني من دهلك سبوله" ويطغى عليه صوت المحدث الثقيل القادم من صحراء الجزيرة العربية: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال...."
وفي كل مرة كان يحدث بين الاذاعتين ما يشبه الصراع داخل حلبة، صوت يصرع صوت ويعلو فوقه قليلا ثم ما يلبث أن يتلقى لكمه تطيح به وهكذا..
فأغلق الراديو أو أبحث عن إذاعة أخرى لا يشتبك فيها عطروش مع الكلباني.

مضت سنوات كثيرة بعد ذلك، توقفت عن سماع الراديو، ولا أعلم ما الذي حل بالاذاعتين.
لاحقا، كان مواطنون من بلاد الكلباني يأتون بسياراتهم الفخمة وأشكالهم المنعمة إلى حرض ويغادرون نحو بلاد عطروش، كانت حرض نقطة عبورهم وعدن منتهى راحتهم.

ثم أخيرا، في بداية 2017، وصلت إلى عدن، وكانت لا تزال جريحة من آثار حرب دينية أخرى.
وثمة الكثير من الخطر يبدو في ملامحها، لكن قدر عدن أن تحيا أبداً وتمنح الجمال والحب والحياة لكل من هام بها.
قدر عدن أن تظل المدينة الأغنية.