اختزل سوء نظام الوصاية الإيرانية في سوريا عند سقوطه في قبح سجونه وجرائم معتقلاته وأبرزها سجن صيدنايا لتشكل تلك الأفعال صدمة مريعة للشارع العربي المكلوم من تلك الوحشية القمعية والفضائح اللا إنسانية.. وبالنسبة لليمنيين، انصب اهتمامهم ونشطت خيالاتهم صوب النسخة الحوثية من نظام الوصاية الإيرانية في سوريا، كونها الوجه الآخر من القمع الطائفي والتمييز العنصري المستهتر بكرامة الإنسان والساحق لحقوقه بكل فجاجة وإصرار.
إذا كانت جرائم سجون نظام الوصاية الإيرانية في دمشق صادرة من نظام اعتقدناه يوماً أقل تشدداً من أدوات إيران في المنطقة، فما بالك بسجون عصابة مافيا سياسية ظلامية كهنوتية انقلابية خرجت من الكهوف إلى السلطة مباشرة، لا تتقن إلا القمع والتوحش وهدر الحقوق وانتهاك الحريات وإسكات أي صوت تشك في ولائه أو ينغصها بقاؤه في مناطق سيطرتها.
عملت المليشيات على جعل روائح سجونها قاتلة وسمعتها موحشة بتعمد؛ لكي تصدر للشعب أن سجونها تعني الجحيم والموت أهون عليهم من ولوجها، ليتهربوا من قمعها وقسوة معتقلاتها بالكف عن اعتراض جرائمها أو التعليق على أفعالها.
كل مناطق الحوثي سجن كبير، وفي كل محافظة ومدينة ومؤسسة سجن، لا يمكن حصرها أو معرفة عدد نزلائها، لأن دخولها يأتي عن طريق المداهمة والاختطاف اللا مرئي من الشارع.. من الطرق.. من النقاط الأمنية.. من الأزقة تحت جنح الظلام والتكتم، واختفاء خاطف لأناس لا تعرف أسرهم مصيرهم، مئات القصص من المصائر المفقودة والحيوات المخفية والغيابات المجهولة.
السمة الأفظع للسجون الحوثية أنها لم تستثنِ أحداً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ولم تقتصر على شريحة بعينها، ففيها السياسيون والناشطون والصحافيون والإعلاميون والمشايخ والتجار والأكاديميون والمهندسون والمعلمون والمهندسون والموظفون والفلاحون والعمال والباعة والمتشردون والمغتربون والعاملون بالبعثات والمنظمات، اعتقال عشوائي وحبس جنوني، فكل مشرف حوثي اتخذ من السجن باباً للابتزاز ومن الاعتقال وسيلة لطلب مبالغ خيالية مقابل إطلاق سراح المعتقل.. وبالمختصر؛ فإن مصيدة الزج في السجون كابوس متحرك كل يوم يوقع في شباكه عدداً من الضحايا الأبرياء.
وبعد صيدنايا، استشعرت المليشيات ناقوس الخطر وأدركت أن سجونها أسوأ منه، والمعتقلين فيها لا حصر لهم؛ فقامت بإعداد تقارير مصورة بثتها قنواتها التلفزيونية من داخل سجونها الوحشية تزعم من خلالها أن السجناء يحظون برعاية واهتمام ويتمتعون بكامل حقوقهم الإنسانية، التقارير أثارت موجة عارمة من السخرية والتهكم لمحاولة المليشيات تلميع سواد معتقلاتها وتبييض وحشية سجونها.
والحقيقة المُرة للسجون الحوثية أنها كلها صيدنايا للمقابر وعتبة للموت المريع، فكل نزيل فيها يخرج إما إلى المقبرة جثة هامدة أو إلى المستشفى جسداً مشلولاً ومحروقاً أو إلى المصحة كمختل عقلياً، لتتضاعف معاناة أسرهم من فقدان معيليهم إلى عجز إعادة تأهيلهم صحياً ونفسياً، فأساليب التعذيب الوحشية لا تمكنهم من العيش بعدها بشكل طبيعي.
كانت مدينة الصالح السكنية في الحوبان/ تعز حلم كل شاب وأسرة امتلاك شقة فيها لحظة تشييدها في عهد الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية الأسبق، لتصبح في العهد السلالي أسوأ سجن كهنوتي يتجنب المسافرون النظر إليه أو ذكر اسمه باعتباره رمزية لبشاعة التعذيب وموطناً للجحيم الحوثي، ففي أقبيته إنسانية مستلبة وكرامة مضطهدة وأبرياء كثر يعج السجن بأنينهم وأوجاعهم.
ولذا؛ فكل سجن حوثي هو مسلخ للموت التدريجي ونافذة عبور لانتزاع أرواح اليمنيين وتجميد حياتهم ببطء قاتل يكشف عن أبشع حقد وأقسى شذوذ لا إنساني لقطيع الكهنوت المتوحش.