باتت المقارنة بين الوضع الحالي ومرحلة ما قبل 21 سبتمبر 2014 تفرض نفسها على سكان العاصمة اليمنية صنعاء بفعل الانحدار الشديد والشامل لكل مظاهر الحياة في المدينة، دون وجود أفق واضح للخروج من ورطة الاحتلال الحوثي المستمر للعاصمة وعدد آخر من مدن البلاد ومناطقها منذ عشرية كاملة من الزمن.
فمن الصعوبات الاقتصادية وتقييد الحريات وصولا إلى الاعتقالات، يتحسّر بعض سكان صنعاء المحبطين على حياتهم السابقة وتغيّر وجه عاصمة اليمن الغارق في الحرب، بعد عشرة أعوام من سيطرة المتمردين الحوثيين عليها.
ويقول يحيى، البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاما، لوكالة فرانس برس، مفضلا على غرار غالبية المتحدثين عدم الكشف عن هويته الكاملة خوفا من الانتقام، إن حركة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران “أعادت البلاد خمسين سنة إلى الخلف” منذ سيطرتها على مقاليد السلطة في 2014.
أما أبوجواد ابن الخامسة والأربعين عاما فيقول “في السابق كنا نفكر كيف نشتري سيارة أو بيتا، أما الآن فنفكر كيف نحصل على لقمة الطعام”.
انطلاقا من الجبال الشمالية شن الحوثيون من معقلهم في صعدة هجوما كاسحا باتجاه صنعاء، وسيطروا على مناطق واسعة في شمال اليمن.
وتحالفت الجماعة آنذاك مع وحدات موالية للرئيس الراحل علي عبدالله صالح ودخلت العاصمة في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 وسيطرت على مقرّ الحكومة، وأجبرت السلطات على التراجع إلى عدن على الساحل في الجنوب.
وبعد مرور عدة أشهر، وتحديدا في السادس والعشرين من مارس 2015، بدأ تحالف تقوده السعودية حملة عسكرية على الحوثيين في محاولة لوقف تقدمهم.
ومنذ ذلك الحين تمددت الحركة السياسية – العسكرية المنتمية إلى الأقلية الزيدية الشيعية، لتفرض سيطرتها على نحو ثلثي السكان.
وتوقف القتال إلى حد كبير منذ أبريل 2022 بعد التوصل إلى هدنة إنسانية بواسطة الأمم المتحدة، جرى تمديدها مرّتين. ورغم انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه لا يزال الوضع هادئا على الأرض.
لكن اليمن لا يزال غارقا في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ومقسما بين مناطق تقودها قوات مناهضة للحوثيين وتخترق صفوفها انقسامات داخلية وتلك التي يسيطر عليها المتمردون.
وتقول الباحثة ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، إنه إذا لم يكن اليمن ما قبل الحرب ديمقراطيا حقا وكان المجتمع محافظا دائما، فإن عاصمته كانت تضم ذات يوم “أحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا نشطا ومنظمات غير حكومية. وكان يمكن للنساء والرجال الجلوس معا في مقاهيها”.
أما اليوم، بحسب شجاع الدين، فإن “المناخ السياسي والاجتماعي منغلق للغاية”، وفُرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وتهيمن على المشهد شعارات الحوثيين التي تنادي بـ”الموت لأميركا وإسرائيل” و تنتشر صور قادتهم وقتلاهم.
وتؤكد منظمة العفو الدولية أنها سجلت منذ عام 2015 “العشرات من حالات اعتقال الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وأفراد الأقليات الدينية” وإدانتهم بتهمة الانتماء إلى “شبكة تجسس أميركية – إسرائيلية” كما أعلن الحوثيون.
وفي يونيو الماضي استهدفت موجة جديدة من الاعتقالات موظفين في منظمات يمنية ودولية و13 موظفا أمميا، مازالوا معتقلين، ما أثار الذعر في صفوف المجتمع المدني.
ويقول مدير إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية، إنه فر أولا إلى عدن قبل أن يلجأ إلى أصدقائه في الأردن، تاركا وراءه زوجته وأطفاله الثلاثة.
ويضيف الرجل البالغ من العمر خمسة وأربعين عاما من عمّان، حيث يأمل الآن في العثور على وظيفة، “اتخذت القرار دون التفكير كثيرا، كانت المغادرة خيارا محفوفا بالمخاطر، لكنه كان الخيار الوحيد”.
وبحسب شجاع الدين المقيمة في الخارج، كان من الممكن بداية البقاء على الحياد، لكن “اليوم لم يعد ذلك خيارا. يجب أن نظهر أننا متمسكون بعقيدة الحوثيين”.
وتنشر الحركة دعايتها من خلال وسائل إعلام تابعة لها، وكذلك من خلال كتيّبات تعليمية لم تتردد في تعديلها.
فقد عدّل الحوثيون التقويم ليستعيضوا عن ثورة 26 سبتمبر، تاريخ الإطاحة بنظام الإمامة على يد الجمهوريين عام 1962، بـ”ثورة 21 سبتمبر” تاريخ وصولهم إلى السلطة. وهو تغيير جعل بعض اليمنيين يسخطون. لكن أبوأحمد الرجل الخمسيني من سكان صنعاء يقول “حتى لو منعونا من الاحتفال رسميا، سنحتفل به في قلوبنا”.
ومع اتساع دائرة النفور الشعبي من الحوثيين جاءت حرب غزّة بمثابة هدية ثمينة لهم سارعوا إلى توظيفها دعائيا من خلال استهداف ما يقولون إنّها سفن إسرائيلية أو ذات ارتباط ما بالدولة العبرية، لدى عبورها البحر الأحمر.
وتذكر هيلين لاكنر المتخصصة في الشؤون اليمنية أن “اليمنيين كانوا دائما مؤيدين للفلسطينيين”، مسلطة الضوء على تعبئة مئات الآلاف من اليمنيين كل أسبوع للمشاركة في التظاهرات التي ينظمها الحوثيون.
لكن تلك الهجمات وضعت حدا للمفاوضات التي جرت في الأشهر الأخيرة بين المتمردين والسعودية، ما قوّض احتمالية إنهاء الحرب.
وبعد انتقالها للعيش مع عائلتها في المملكة منذ تسع سنوات، لم تتمكن ريم من العودة إلى صنعاء لدفن والدها، ولا حضور حفلات زفاف إخوتها وأخواتها.
وتقول المرأة الأربعينية “أحلم بالعودة إلى حياتي السابقة”. وفي انتظار ذلك تتحدث مع أطفالها عن بلدها، وتقول “لا أريدهم أن ينسوا أنهم يمنيون”.