تواصل ميليشيا الحوثي، تعزيز قدراتها المالية لتأمين موارد تطوير قدراتها وأنشطتها العسكرية التي باتت تشكل خطرًا على حرية التجارة العالمية، رغم العقوبات المالية الدولية المتصاعدة مؤخرًا.
ومنذ توقف العمليات العسكرية في اليمن، وفقًا لاتفاق الهدنة الأممية في إبريل/ نيسان من العام 2022، تفرّغت الميليشيا لترميم قدراتها البشرية والعسكرية، إلا أن انخراطها في "جبهة الإسناد" بحسب مزاعمها، رفع من وتيرة تطوير قدراتها العسكرية الجوية والبحرية.
ويعتمد الحوثيون على خبراء الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني وعناصر من الميليشيا العراقية، الموجودين في اليمن في عمليات تطوير القدرات العسكرية، استنادًا إلى القطع والقذائف الصاروخية ومعدات المراقبة البحرية وغيرها من المكونات، التي تصل بشكل متفرق، إلى موانئ محافظة الحديدة، مهربة من إيران ومصادر أخرى، في انتهاكات لقرار حظر توريد الأسلحة للحوثيين.
رسوم تجنب الهجمات
وكشف فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيين باليمن، في تقرير قُدم إلى مجلس الأمن الدولي، في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، عن بضع طرق غير مشروعة يتخذها الحوثيون لتوليد الموارد لأغراضهم العسكرية؛ ما يتسبب في تصاعد الهجمات ضد السفن، ويؤدي إلى تدهور الأمن البحري بشكل كبير.
وأشار التقرير إلى رسوم غير قانونية تدفعها بعض وكالات الشحن البحري "لقاء سماح الحوثيين لسفنها بالإبحار عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون أن يتعرضوا لها".
وقال إن وكالات الشحن تنسق مع شركة تابعة لقيادي حوثي رفيع المستوى، وإن عملية إيداع الرسوم "تتم في حسابات مختلفة وفي ولايات قضائية متعددة، من خلال شبكة نظام الحوالة المصرفي وتسويات تنطوي على غسيل الأموال القائم على التجارة".
وذكر فريق الخبراء الأممي، أن عائدات الحوثيين من الرسوم التي يفرضونها لقاء العبور الآمن للسفن، تصل إلى 180 مليون دولار شهريًّا.
وأكد التقرير أن الحوثيين يحولون جزءًا معينًا من عائدات الجمارك والضرائب ورسوم خدمات الاتصالات، إضافة إلى عائدات بيع الوقود والغاز، للأغراض العسكرية، بدلًا من استخدام تلك الموارد في توفير الخدمات الأساسية للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
تأثير محدود للعقوبات
ويضيف التقرير أن فاعلية الجزاءات المالية محدودة، وذلك نتيجة "للنهج الذي يعتمده المجتمع الدولي لمنع أي تأثير سلبي على الوضع الإنساني، وإلى افتقار الحكومة إلى القدرة على تجميد الأصول التي تخضع للسيطرة الفعلية للسلطات التي عينها الحوثيون".
ويرى الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، أن العقوبات المالية ليس لها أي تأثير على الحوثيين، وعلى تجفيف مصادر تمويلاتهم المالية، بدليل أن الشركات المصرفية والمؤسسات المالية المعاقبة، لا تزال تعمل".
وقال الداعري في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الضغوط الأممية والأمريكية التي مورست على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، "لإلزام البنك المركزي اليمني (عدن)، على التراجع عن قراراته السيادية النقدية بخصوص البنوك الستة المعاقَبة بتهم الخضوع وخدمة ميليشيا انقلابية مصنفة إرهابية، أكبر دليل على غياب الجدية الأمريكية في إضعاف الحوثيين ومعاقبتهم وتجفيف مصادر أموالهم التي باتت تفوق مصادر الحكومة الشرعية بضعفين".
زيادة الإيرادات
وأجرى فريق الخبراء الأممي تحقيقًا في الدعم المالي المقدم للحوثيين من خارج اليمن، عبر استخدام شبكات مختلفة من الأفراد والكيانات التي تعمل في بضع دول أبرزها إيران والعراق، وكذلك محليًّا لتمويل الأنشطة العسكرية، إضافة إلى جمع الأموال محليًّا عبر التبرع لدعم القوة الجوية والطائرات المسيرة، وإجبار المدارس على دفع المبالغ المالية.
وتطرق إلى تشكيل الحوثيين لجنة خاصة معنية بزيادة الإيرادات المالية والتخطيط للإنفاق العسكري، وذلك تحت إشراف خبير رفيع المستوى يعرف باسم "أبو رضوان"، المرتبط بقوة الرضوان التابعة لحزب الله اللبناني.
وطبقًا للتقرير، فإن الحوثيين يستوردون النفط والغاز المسال باستخدام وثائق مزيفة إلى ميناء الحديدة، وبيعه في الأسواق المحلية؛ ما مكنهم من الحصول على دخل مالي من هذا القطاع وحده، بلغ 1.34 تريليون ريال يمني، خلال الفترة من الـ1 من أبريل/ نيسان من العام 2022 وحتى الـ30 من يونيو/ حزيران من العام الجاري.
تحرير الحديدة
ويقول المحلل الاقتصادي، وفيق صالح لـ"إرم نيوز"، إن تقرير الخبراء أماط اللثام عن حجم الإيرادات المالية المهولة التي تحصِّلها ميليشيا الحوثي من محافظة الحديدة وموانئها، على مدى العامين الماضيين.
وأشار صالح إلى أن هذه الأنشطة الاقتصادية للحوثيين، كافية لمدّهم بجميع سبل البقاء، وتعزيز منسوبهم المحلي بما يفوق القدرات المالية للحكومة الشرعية.
وأضاف أن المجتمع الدولي والإقليم مطالب الآن بتمكين الحكومة اليمنية على الأرض، بما يمكنها من تجفيف ومحاصرة الحوثيين في الجانبين العسكري والمالي.
وذكر أن أهم ورقة لتحقيق ذلك، تتمثل في استعادة السيطرة على محافظة الحديدة وتحريرها من قبضة الحوثيين، باعتبارها "الشريان الاقتصادي الرئيس الذي يبني إمبراطورية الميليشيا المالية والاقتصادية".
وقال صالح إنه ينبغي تكثيف عمليات الرصد والتتبع لتحركات الحوثيين المالية واستثماراتهم الخارجية، لأن لديهم العديد من الشبكات المالية عربيًّا ودوليًّا، ومن خلالها يحاولون الالتفاف على العقوبات وعلى جميع القوانين الدولية.