آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-05:00ص

منوعات


معزوفة الوداع ..قصة قصيرة

معزوفة الوداع ..قصة قصيرة

الإثنين - 29 أبريل 2019 - 09:48 م بتوقيت عدن

-

كانت تجلس على الطاولة المقابلة لي، دموعها تتساقط كحبات مطر ، حين رأيتها تاهت من عقلي الأسامي ولم أعرف أين أنا، كانت هناك معزوفة حزينة يهيم القلب معها يملأ صداها المكان.

دون شعور توجهت لطاولتها لأعطيها منديلا ، لم تتردد في قبوله، جففت دموعها، ثم رفعت عينيها نحوي وشكرتني، فتشجعت واستأذنتها في الجلوس معها فلم تمانعني .

بدأ حديثنا عن تلك المعزوفة وكيف أنها تؤثر فيها حيث تذكرها بماضٍ أليم، ولم تذكر لي تفاصيل هذا الماضي.

لم يكن الوقت كافيا أن ننهي حديثنا، غادرتني بعد وعد منها أن نلتقي مجددا، ولكن في مرسمي ، ردت أنها تتشوق لذلك فهي تعشق الفن واللوحات.

مرت ليلة وأنا أستمع إلى المعزوفة الحزينة فهي ترسخ صورتها في جدران مخيلتي، أدخن سيجارتي وأرتشف قهوتي التي لا يعرف السكر لها عنوانا، أرسم ملامحها التي حفرت في ذاكرتي.

أتحدى رسامي العالم ان يخطوا بريشتهم مثلي ليوثقوا جمالها ، افكر هل ستفى بالوعد وتأتي وأراها مرة أخرى، يشع نهار يوم جديد حتى أتاني منها اتصال .

أجبتها بصوت حاولت ان أخفي فيه لهفتي في الرد عليها .
تحدثنا وقد غمرتني سعادة لم أعهدها منذ زمن بعيد
أغلقت الهاتف استعدادا للقائها ، بعد ساعات قليلة حاولت ان أنهي بعض الفوضى التي من حولي ،
ورغم أن النوم لم يطل جفوني منذ أكثر من يوم والنصف لكني في حالة يقظة منتظرا قدومها ، بعد ساعة أو أكثر أتت الى مرسمي حاولت ان أخفي نظرة الاشتياق الثائرة في أعماقي، دخلت وهي تنظر في كل أرجاء المكان وقد أخفيتُ لوحتها بوضع ساتر من القماش عليها.

على جدران المرسم كان معلقاً بعض اللوحات لوحة لرجل بائس ظل وجهه متجهما طويلا والحزن يعتلي ملامحه و احساسي بحزنه القابع في أعماقه،
لوحة لرجل طاله الشيب والكهولة ولكن ظل محتفظا بابتسامته التي ارغمتني على أن أجسدها في لوحة تعيش بعد أن يرحل ليبقى رمزا للسعادة.

تفحصت اللوحات بإعجاب شديد ولم تبد ردة فعل ولكني أدركتها في ابتسامتها.

حتي توقفت أمام لوحة كنُت أخفيت معالمها وشوهتها بالكثير من الألوان .

اعتقدتُ أن سؤالها لماذا شوهت ملامح تلك اللوحة ؟
ولكن جاءتني بما لم أتوقع، سألتني هل تعتقد أن بتشويه ملامحها أنك تخلصت من حبها ؟
أمام ذكائها لن تستطيع الإفلات والتظاهر بأن توقعها خاطيء.

من قال اني تخلصت من حبها ؟
كانت إجابتي سريعة وحاسمة، لم أتوقع أن ابوح بها .لقد جعلتني أبوح بما لا استطيع أن اواجه به نفسي من قبل ، عادت لتكمل ما بدأته من الإبحار في ذاتي
ولماذا لم تحاول الاتصال بها مرة اخرى ؟
صمتُ عاجزا عن الاجابة وهي تراقب باقي اللوحات حتي وقفت امام لوحتها التي اعتقدُت اني اخفيتها ودون أن تشيح عنها الحجاب،قالت :أراهنك أنها صورتي .
قلتُ: اذا كنت دخلت الي ماضيّ بكل سهولة فكيف لن تكتشفي حاضري.

رمقتني بنظرة لم افهم معناها وأردفت في الحديث
انت لم تتخلص من الماضي ليصبح لك حاضر .

وبابتسامة وداع حملت حقيبة يدها متجهة إلي الخارج وانا في صمت رهيب لم أعهده من قبل، لم احاول حتى أن أجعلها تنتظر .

لقاء تغيرت أحداثه، ماذا أصابني، كيف اصبحت عاجزا عن الرد ؟!

نظرتُ الي اللوحة المشوهة وكأني أري تفاصيلها قبل أن أشوهها ، التقطت هاتفي واتصلت بصاحبة اللوحة
فإذا بها تجيبني :

كنت أخشى الاتصال بك فتكسر ما تبقى بداخلي من حنيني، وخشيت ان يكون النسيان طالك وأفقدك اسمي.

أجبتها ودمعة غسلت آثام الماضي: لقد نسيتك لمدة لا اعلمها ، ولكن طيفك أرسل لي رسولا اليوم ليعيدني إليكِ.