آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-05:33م

اخبار وتقارير


الدكتور محمد الحسامي يكتب في نافذة اليمن .. في عمق ظاهرة "إستحضار الماضي"

الدكتور محمد الحسامي يكتب في نافذة اليمن .. في عمق ظاهرة "إستحضار الماضي"

الأحد - 20 أكتوبر 2019 - 08:09 م بتوقيت عدن

- عدن - نافذة اليمن .. الكاتب الدكتور / محمد حميد غلاب الحسامي

 

عندما يكون الحاضر بالغ وشديد السوداوية,مظلما ومعتما وحالكا..,في حياة الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات والشعوب والأمم,في الوعي والفكر والعقلية والسلوك, وفي السلوكيات والتصرفات,وفي الوجدان والمشاعر والأحاسيس والعواطف,وفي النفسية...إلخ.

بمعنى,بكل شيء يتعلق بها ويمسها في جميع المجالات الحياتية المختلفة..,وينعدم فيه شعاع النور مهما كان باهتا,فإن ذلك يؤدي حتما إلى نتيجتين :

الأولى :

إنعدام المستقبل إنعداما تاما في وعيها وفكرها وتفكيرها وعقليتها,وبكل شيء فيها,مما يؤدي حتما إلى إنعدام الرؤية المستقبلية لها بشكل عام وكامل,وإذا استحضرته فإنما يكون ذلك الاستحضار من باب الأمنية والتمنى ليس إلا...

الثانية :

إستحضار الماضي إستحضارا فعليا في وعيها وفكرها وتفكيرها وعقليتها,وفي آمالها وأحلامها,وفي وجدانها ونفسيتها,وبكل شيء فيها ويتعلق بها,وذلك تعويضا نفسيا لها جراء وإزاء ذلك الحاضر الذي تعيشه...

ذلك الماضي الذي تستحضره ليس كله,بل الجزء المضىء منه مهما كان باهتا وضئيلا,ليس من أجل إنارة حاضرها ذلك..وتلمس المستقبل به,بل وكما قلت من أجل التعويض النفسي لها,فهي تجد فيه سلوتها وهويتها ونورها المفقودة أصلا في حاضرها,إذ أن لكل فرد ولكل جماعة ولكل مجتمع...إلخ ماضية المنير الخاص به,سواء كان ذلك ممثلا ومتمثلا بشخص ما أو جماعة ما أو حدث ما...إلخ.

يتمثل ذلك الاستحضار من خلال تلك الإحتفالات يتلك المناسبات والذكريات التي تمثل لها ذلك الشعاع المضىء في الماضي, المفقود والمعدوم في الحاضر, بل إنها تبالغ كل المبالغة في ذلك الشعاع وتجعل منه شمسا ساطعة تطغى على غيره وتزيله, وكأنه الشعاع الوحيد والاوحد ولا وجود لغيره, حتى ولو كان ذلك الشعاع في الأصل باهتا وضئيلا,ذلك الشعاع الذي كان يفترض به أن يكون في مخيلتها والتي طغت به على غيره, وليس ذلك الشعاع الذي كان فعلا...

بل إن البعض وعلى العكس من ذلك,فهو يستحضر تلك العتمة وتلك الظلامة وتلك الحلاكة في ماضيه ومنه,وذلك لاعتقادها بأنه لولا لم يحدث ذلك في ماضيها لما كان حاضرها على ماهو عليه من العتمة والظلمة والحلاكة...

كل تلك الإحتفالات تتم من قبلهم بطريقة لاوعيية بحيث ينعدم وعيها الحاضري تماما أثناء الإعداد لها ويبلغ ذروته أثناء إقامتها,وكأن تلك المناسبات والذكريات برموزها وأشخاصها وشخوصها وأحداثها..إلخ,حاضرة فيها ومشاركة فيها تجسيدا حقيقيا وجسدا وروحا تلقي على مسامعها الخطب الرنانة وتعيش أحداثها لحظة بلحظة, ناهيك عما يصرف عليها من أموال باهظة, هم في الأساس في أشد الحاجة إليها,مع ما يرافق ذلك من بهجة وسرور وفرح تغمرهم جميعا,أو من عويل ونياح وبكاء ولطم وطعن وإراقة الدماء...,حتى أنه وفي هذه الغمرة وفي قمة النشوة بها لو حاول أحد ما النيل منها أو التعرض لها ولو بشيء من الموضوعية يهدف إعادة التقييم والتقويم لها,فإنه سوف يلاقي أشد الأذى منهم, هذا إذا لم يفقد حياته,فما البال في حالة محاولة الطعن بها..., وما أن تنتهي تلك الإحتفالات حتى يعود كل منهم إلى سابق عهده بذلك الشعاع...

ويتمثل ذلك الاستحضار أيضا بقراءة تلك القصص والاقاصيص وتلك الحكايات والأساطير وسردها على المحيطين وحتى الإضافة إليها, بعد أن أضيف إليها طبعا الكثير الكثير والمزيد المزيد عبر مسيرتها التاريخية,لتتحول أخيرا إلى أسطورة من الأساطير الخرافية...

إنني شخصيا هنا لا اقلق من شأن ذلك..وتلك..,ولا أدعو إلى نسيان ذلك..وتلك..من قبل هؤلاء..وهؤلاء..,ومن قبل أولئك..وأولئك..,فلكل الحق في إستحضار ماضيه وبأي طريقة يراها مناسبة له,بل من الواجب عليه فعل ذلك وعدم نسيانه, فمن لا ماضي له,لا حاضر له ولا مستقبل...

لكنني,اذم كل الذم وارفض كل الرفض أن يكون ذلك الاستحضار...ظاهرة ماضوية مقيدة تعيق كل من يعيشها عن التقدم والتطور والنماء,وتجعله أسيرا لها ومقيدا ومكبلا بها, ومقدسا تقديسا تقديسيا لها,....إلخ,يعاش الماضي بدلا من الحاضر وفيه,ويكون بديلا له,بما لذلك من نتائج كارثية وخيمة وخطيرة عليه حاضرا ومستقبلا,وبما يترتب عنها من أحقاد وكراهية وثآرات وثورات تجاه الآخر..,ومن صراعات فيما بينهم البين...

وعليه,وبناء على ذلك :

فإن هناك فرقا كبيرا وكببرا بين ظاهرة إستحضار الماضي بهذه الطريقة المذكورة آنفا...,وبين أن تتم تلك الظاهرة في الوقت الذي يعاش الحاضر, مهما كانت درجة وحدة عتمته وكلاحته,يخطط للمستقبل,ولا يتنكر للماضي,يدرس ذلك الماضي دراسة علمية منهجية بكل إيجابياته وسلبياته, تتجاوز تلك السلبيات وتنمى تلك الإيجابيات ويستفاد منها, معنويا ومعرفيا,في بناء الحاضر وتلمس المستقبل...

..........

#الخلاصة:

إن ظاهرة إستحضار الماضي بطريقة سلبية"الماضوية" تعتبر إحدي الإشكاليات الخطيرة, إن لم تكن أخطرها, من ضمن إشكاليات عديدة ومتنوعة, والتي تعاني منها العقلية العربية الحاضرة وتمنعها عن التطور والتقدم واللحاق بالركب الحضاري للعالم الذي تعيش فيه, ,ولن تستطيع بأن تقوم بذلك إلا بدراسة تلك الإشكاليات..دراسة علمية منهجية ووضع الحلول المناسبة لها.......

قال تعالى في كتابه الكريم :

( بل قالوا إنا وجدنا أبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) صدق الله العظيم

بكم..يتجدد الأمل..ويتحقق

..........

 

#نحو-حركة-نهضوية-عربية-جديدة

إن غدا لناظره أقرب وأفضل

دعوها فإنها مأمورة