لا أسوأ من المعتدي الذي يستخدم وسائل سلطة الغلبة والتمكين في قهر المواطن، إلا من يبرر له حماقاته وأخطاءه وخطاياه.. إذا كان الأول غبي وثأري وعنجهي ومتبلد الإحساس وفاقدًا للمشاعر ؛ فإن الثاني تافه، ومنعدم الإحساس والضمير، ومستمتع بعبوديته، وبعضهم لديه انتهازية ونفعية بلا حدود. فاقد الشيء لا يعطيه، وما نفتقده في هذه السلطة هو استحالة أن تقود شعبنا إلى مستقبل الدولة والقانون، أو حتى إلى افراج مأمول، وقبلها افتقاد الأمل بتحسين أوضاع معيشة شعبنا الذي تقوده تلك السلطة نحو مزيد من الجوع المدقع والهلاك الأكيد. لقد استطاع المواطن المنهوب مجلي الصمدي أن يعري السلطة التي نهبت إذاعته قرابة العامين، وما زال يعريها إلى اليوم، حتى من ورقة التوت.. ورغم ما لدى هذه السلطة من سلطان وهيلمان، استطاع مجلي الصمدي بمفرده أن يكشف مدى هشاشتها، وضعفها من خلال ذلك الاعتداء الذي طاله، وعلى ذلك النحو، وبما لا يمكن وصفه إلا بالفعل الجبان. مجلي الصمدي مواطن بمفرده انتصر على هذه السلطة الغاشمة من أول يوم تم نهبه فيها، والأهم من ذلك أنه ينتصر عليها كل يوم، فيما خيباتها كل يوم مباركة ومستمرة.. . مواطن مدني وأعزل، ولكنه عنيد لا يلين ولا يستكين في وجه الجور الغاشم بحقه، وحق الموظفين في رواتبهم، وحق شعبه الذي يطالب بإشباع قليلًا من جوعه الذي يزداد ويتضاعف كل عام. جوع لا يوجد من يوقف مده والمزيد منه. لقد استطاع مجلي الصمدي أن يحوّل أوجاعه وانكساراته إلى مزيد من الصمود العنيد، وسيظفر في النهاية بانتصار أكيد، ولينتهي المآل بهذه السلطة إلى مزبلة، ويكتب التاريخ لهذا الشعب مجده وانتصاره بعد معاناة وصمود واعتراك. ما تفعلوه اليوم يا هؤلاء، وما ننتظر أن تفعلوه بنا، لا يأتي إلا من عصابات لا تستطيع أن تعيش بحال في بيئة يتوفر فيها الحد الأدنى من الدولة والقانون، وفي ظل سلطة لا تحترم أبسط الحقوق بما فيها حقنا في الحياة. إنها سلطة جريئة تسير حثيثًا نحو سقوط مريع.. سلطة لا تهرول بنا فقط نحو مزيد من الإفقار والجوع، بل أيضًا نحو ردة حضارية كاملة الأركان والسمات.. سلطة تركض ومن دون مهل نحو العودة إلى أغوار التاريخ و وحشيته، وعصبويات ما قبل الدولة والقانون.. وما أشرنا إليه هنا، ما هو إلا ملمح واحد من ألف شاهد، وجزء مما يحدث على نحو عريض.