آخر تحديث :السبت-05 أكتوبر 2024-03:51م

حينما تستقبلك المدينة بالورد

السبت - 06 يوليه 2024 - الساعة 10:54 م

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


أنا مغرم بالأشياء الجميل؛ طبيعة، طقس، غيم، مطر، بحر، جبل، مدينة صورة، فكرة، لوحة، قصيدة، أغنية، موسيقى، رواية، موقف، سلوك ، قيمة، ذكاء، خفة رشاقة، كلمة، معنى دال، مدلول دلالة، تصميم تشكيل، مؤسسة، ادارة ، دولة حكومة، سياسة، أي شيء جميل أحبه وبالنسبة للإنسان ذكرا كان أو أنثى؛ الجمال جمال الروح والعقل والضمير. لكن جمال المدن حينما اباغتها عند الفجر يسلب لبي. نعم هي أنثى كما وصفها الشاعر الأسمر مبارك سالمين رئيس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين. قد تحققت بنفسي من المعني يا صديقي. نعم هي أنثى، ولكنها لا تبوح بزخم أنوثتها واسرار جمالها لكل عابر سبيل، بل لمن يستطيع الدخول إلى قلبها ويحبها ويتحسس نبضها ويفهم شفرتها. فكم هم أولئك الذين يعبرون المدن كما تعبر سحابة الصيف السماء؟ ذلك هو الشعور الذي ينتابني مع كل مدينة جديدة حملتني الصدفة اليها إذ زرت معظم المدن العربية الرئيسة من عدن وصنعاء وحضرموت وتعز في اليمن إلى بغداد والموصل والبصرة وبابل والنجف في العراق ودمشق وحمص وحلب وإدلب في سوريا ومسقط وصلالة في سلطنة عمان والأردن الهاشمية والرياض وجدة ومكة والمدينة المنورة وأبها والدوحة وابو ظبي ودبي والفجيرة والشارقة والجزائر وتبسة وتيبازة وفي الغرب الرباط والدار البيضاء وفأس ومكناس والخرطوم وأم درمان وشندي في السودان وربما غيرها  لم تحضر في الذاكرة الآن وانا أسير في شوارع أمستردام أجمل مدينة وأكبرها في هولندا. من حسن حظي أنني أقمت البارحة عند صديق عزيز في قلب أمستردام؛ يحيى بن طالب اليزيدي؛ طالب في جامعة أمستردام. نمت بكير وصحيت في الخامسة فجرا فخرجت أتجول في رحاب المدينة وهي تتثائب من نومها تحت رذاذ المطر الحميم. طلعت الميترو وذهب إلى محطة القطار الرئيسية على البحر. هنا الآن اكتب هذه الخاطرة التي توردت إلى ذهني وأنا اتأمل حركة الناس  والنهر والعبارات والقطارات. محطة فخمة جدا تتكون من ثلاثة طوابق خدمية الطابق الأول على عمق 20 مترا تقريبا للمترو والطابق المتوسط للقطارات والطابق الثالث للباصات والسيارات. محطة دولية بجانب مطار أمستردام. فمن أي الأبواب ينفتح المشهد؟ ومن أي النوافذ يمكن الأطلال على هذه المدينة العائمة؟  ومن أي الأسوار الشاهقة يمكن مقاربة المعنى في مدينة باروخ إسبينوزا المدينة الأكثر إنسانية؛ حيث يتلفح التاريخ بالأسطورة ويمتزج الحاضر بالماضي وتتعايش الأعماق مع الأفاق. ثمة أشياء واشياء خفية تشدني إلى المدن النهرية والبحرية واولها الحضارة المصرية الراسخة في أعماق التاريخ، وحضارة بلاد الرافدين والكنعانيين، وحضارات الهند والصين واليونان وروما. ربما كان ذلك الانشداد الآسر للحضارات التليدة بحافز تخصصي في فلسفة التاريخ والحضارة ودوافع كثيرة أخرى لا أعلمها! هنا في أمستردام امضيت نهاري أمس مع الصديق العزيز عماد صلاح اليافعي. استقبلني في مدينة الأرينا حيث يقيم منذ خمسة سنوات. مدينة فخمة جدا ويقع فيها اقدم وأكبر ملعب لكرة القدم في هولندا Johan Cruijff ArenA. طاف بي بسيارته في ارجاء والمدينة وكانت المفاجأة السارة حينما اخذنا إلى حديقة المدينة الجميلة. هناك في تلك الحديقة التي يحط بها النهر من جهتين وجدنا مزرعة عماد مرتبة بين مزارع سكان المدينة وفيها شجرة البن التي احبها. أخبرني أن بلدية أرينا أصرفت له المزرعة لغرض زراعتها وهناك وجدنا أشكال وألوان من المزروعات واخبرني بان البلدية تشترط على كل مزارع تخصيص نصف متر لزراعة الورد فقط.
عماد العزيز اهداني باقة ورد وعزمني على وجبة غداء يمنية يافعية في منزلة القريب من المزرعة والنهر بمسافة نصف كيلو فقط. كان يوما رأئعا مع أبو عماد السنوي. واليوم موعدنا في معرض الكتاب العربي بأمستردام عند منتصف النهار. وسلامتكم