العجيب ان يطالبنا نفر من الناس بالتعامل مع القضية الفلسطينية على نحو تاريخي وان نأخذ الأمور من حيث آخر ما وصلت اليه لطالما المسألة لم تظهر في بالهم على نحو جاد ومقلق إلا قبل عام.
يقولون عن نهجهم انه واقعي واقل كلفة وينظر إلى المستقبل ويتعمدون تجاهل ان هذه المشكلة برمتها لم تظهر إلا نتيجة تصورات تاريخية مؤلفة توليفة منافية للقانون والحق ناهيك عن الحقيقة التاريخية.
لكنهم عندما ينغمسون في جدل ينزلقون إلى سوق حجة الكيان عينه بالأحقية التاريخية بالمكان. وهكذا تارة يحضر التاريخ وتارة يغيب. فقط يحضر التاريخ البعيد والبعيد جدا ليؤكد أحقية الكيان الغاصب المستوحاة من أساطير ونصوص دينية لكن التاريخ القريب والقريب جدا يغيب لمعالجة مأساة التشرد والدمار والتصفية الرمزية والمادية.
ثم ماذا عن المستقبل ؟ اي مستقبل؟
كتبت صحيفة اللوموند قبل ايام تعليقا على اتساع رقعة المواجهات إلى لبنان والقصف الذي يمسح القرى والوديان ويسويها بالارض ما معناه: يمكنك سحق منطقة كاملة لكن لا يمكنك الجلوس على الدمار .
الحقيقة ان العرب لم يهزموا رغبة منهم ولكن لان امتلاك وسائل النصر غير مسموح لهم في ظل معادلة القوة العالمية الراهنة منذ اكثر من قرن.
إذا نظرنا للأمور من هذا الزاوية وبعيدا عن فكرة المؤامرة التي تعطل العقل والفحص فانهم ما يزالون يبلون بلاء حسنا.
لقد اتخذوا طريقين مختلفين للوصول إلى حقيقة واحدة . هي ان الفرصة غير مواتية لامتلاك زمام القوة. هناك سقف محدد للأصدقاء جدا وغير الأصدقاء في الحصول على تقنيات حديثة ووسائل دفاعية فاعلة.
سيجود الزمن بفرصة النفاذ إلى عالم القوة. ليحل السلام الحقيقي دون حروب ولا خسائر.
لا ينفع جلد الذات ولا التبخيس . اتركوا الحمقى وشأنهم الذين لا يرون الحل إلا إذا اصبح العرب غير عرب. إذا تنكروا لذواتهم وانسلخوا من جلدهم وغرقوا في صراعات هوياتية وبعدها تاتي حروب استنزاف.
الحمقى العرب لم يعد يعجبهم شيئا في العرب حتى لغة العرب عينها يرون انها احيانا سبباً في التخلف. يضربون في الجدار القصير بحذاقة وتحايل يبدو ثقافيا او علميا وهو مغالطات منمقة فيها غضب ونزق وتساوق غبي.
من الأفضل للعرب اولا عدم نسيان قضاياهم وعدم الاستسلام لمنطق القوة لانه غير منصف واعتباطي وتحرسه ايادي البلطجة. عليهم الاستثمار في التنمية والتعليم والتركيز على العلوم ستتغير بعدها المعطيات الاجتماعية وتالياً السياسية بسلاسة.
العقول المستنيرة تستطيع تجاوز العقبات إذا آمنت بنفسها وتجاوزت ذهنية الهزيمة واستطاعت ان تستزيد بعناصر الفخر والتحدي والثقة واذا تصالحت مع نفسها وتاريخها وثقافتها دون تزمت ولا تشدد ولا انغلاق ولا انسلاخ.
على عاتق القوى السياسية المحلية في كل قطر مسؤولية تسيير هذه المرحلة للتخفيف من تبعات الاستبداد والاستئثار بالحكم والغلبة. هل افادت الاستعانة بقوى خارجية لتغيير معادلة الحكم او تصحيح مسار الشراكة؟ لقد جلبت الدمار والزوال.
ان مشكلة الاستبداد والطغيان المعززة عصبويا ودينيا مشكلة داخلية نتائجها وخيمة على الجميع. وعلى المدى المتوسط يزول كل شيء وتذهب اسباب القوة وينهار الاستقرار الزائف.
كما ان الثورات في بلدان لم تنهض فيها بعد اركان الدولة الوطنية وتتعضد مؤسسات القانون والعدل هي الأخرى قفزة في مهب الريح.
لم تبلغ البلدان العربية حالة انكشاف وتيه كما هي عليه الان. فهي بلا امل في تبدل معادلة القوة الدولية وبلا امل داخلي.
درس العام المنصرم الضمني هو ان التنمية بمعناها الاقتصادي او المالي الصرف لا تكفي إذا كانت عاطلة عن مشروع جمعي لاستحقاق مكانة في الصدارة .
هناك دول مرشحة للخروج من عنق زجاجة التخلف منها السعودية الإمارات ولديها فرصة لتكون تجربة ريادية وتصبح قاطرة للبقية. ما يزال المشوار طويل ولن تنضج التجربة بطريقة انانية ومنفصلة عن واقع المنطقة الحضاري والجيوسياسي.
من صفحة الكاتب مصطفى ناجي على موقع إكس