إذا لم تعمل الجهات الممولة الدولية اطارا أخلاقياتياً يكافح التحرش في المنظمات المحلية فانها شريكة فيه
مصطفى ناجي
نشرت الباحثة اليمنية ندوى الدوسري منشورا تفيد فيه إلى ان رئيس منظمة مواطنة ينشر تسجيلات صوتية لها هي مراسلاتها تخص دعمها لقضية تحرش المتهم فيها رئيس المنظمة الذي يقدّم الأمر على سبيل ادعاء مظلومية شخصية تحاك بحقه. سبق ونشر رئيس هذه المنظمة الكبيرة منشورات عديدة يتهم فيها أمريكا بكلها من تقف وراء هذه المؤامرة.
بعيدا عن جنون العظمة هذا فان محور التسجيلات هو التحرش ولا يجب ان يخرج الحديث عن هذا الاطار.
لن أسهب في الحديث عن مزايا الباحثة ولا عن ريادة المنظمة. لكني اريد العودة إلى امر لا يخلو من مصادفة عجيبة وهو ان صحيفة المصدر قبل يومين فقط نشرت تحقيقا لاحد العاملات سابقا في منظمة مواطنة تفيد فيه ان المنظمة اجرت تعديلات في شهادات واقوال حوّل قضية تعرّض مكان مدني لقصف الطيران في تعز.
وهنا قبل الخوض في موضوع التسجيلات والتلاعب بالشهادات الميدانية وتوثيق الحوادث والانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان او قضية التحرش بموظفات علينا ان نفهم الخيط الرابط بين كل هذه الأشياء.
في الحقيقة، التحقيق الذي نشرته صحيفة المصدر اصبح يمس مصداقية منظمة مواطنة برمتها بعد ان كانت قضية تحرش رئيس المنظمة لموظفات لديه انتهت القضية بتحقيق داخلي وعلى اثره قدم الفريق الاستشاري الاجنبي للمنظمة استقالة جماعية. او قضية موقع خيوط الذي نشأ بصيغة جماعية انتهى الأمر بقضية تخاصم مع الصحفي الصراري كأحد المؤسسيين او استقالة بقية الفريق المؤسس والدخول في تنازعات تضع المؤسسين في كفة ورئيس المنظمة في كفة.
كل هذه القضايا المنفصلة في ظاهرها تعكس سلوكيا طغيانيا وتجبرا لا مثيل لهما إلا في اعتى الديكتاتوريات التي ينخرها فساد متعدد الالوان فمن اين مصدر كل هذه السلطة المطلقة؟
ينتمي هذا الطغيان الى ظاهرة خاصة بالأنظمة السياسية التي لم يعد للشعوب امل في تخفيف هذه الشرور إلا بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية منها تحديدا. لكن ها نحن امام حالة فساد مركب يضيع معه كل امل.
بَنَت منظمة مواطنة سمعتها من كونها المنظمة الحقوقية الفريدة التي تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتعمل من داخل صنعاء ولديها شبكة علاقات دولية وتحظى بدعم دولي كبير ولديها طاقم هو الأكثر كفاءة وتأهيلا. إلى هنا كل شيء على ما يرام. وكان الوجه الاخر لصورة المنظمة هي جهود العاملين عليها في المرافعة المستميتة حول تمسكهم بقيم وتقاليد العمل الحقوقي كالشفافية والحياد والمهنية والحوكمة. واذا كانت هذه الأخيرة هي راسمال رمزي فان الراسمال المادي هو تمويلات المنظمات الدولية الكبيرة التي أغدقت على المنظمة وجعلتها قطبا ماليا قادرا على استقطاب افضل كوارد اليمن والتشعب في تنفيذ اعمال تتجاوز الحقل الحقوقي إلى الفكري والثقافي والصحفي والانتقال إلى امبراطورية لا تخضع لرقابة ولا لسلطان ديمقراطي
لكن مع الوقت تعرضت الصورة لخدوش عميقة منها انه لا وجود لشفافية مالية. ثم ان قصة الصحفي الصراري المأساوية كانت قد كشفت عن وجه هذا الطغيان وعدم احترام قيم العمل الحقوقي المتمثل بالإنصاف والعدالة مع موظف. لكن قضية التحرش التي يمكن ممارستها بسهولة في بلاد ليس فيها تشريعات صارمة تجاه المسألة وتجعل الفتاة هي الضحية قد أفصحت عن اعتلال سلوكي خطير لم يكن مجرد حالة فردية ووحيدة ،
ثم ان التلاعب بالشهادات قضية تتجاوز الاطار الشخصي والمؤسسي الداخلي إلى اطار وطني عام يضع المنظمة في مواجهة مع كل اليمنيين ومع السلطات الحكومية المعنية برصد الجهات المتعاونة مع الحوثيين.
يتبع
من صفحة الكاتب على موقع إكس