للقوة تأثير سحري على من يملكها لانها، كونها اضافة مادية إلى تكوينه البيولوجي، تجعله يتجاوز ذاته بالإضافات حتى يرى نفسه كلي القدرة، مطلق الارادة.
لكن لها تأثير سحري أيضاً على موضوع هذه القوة والطرف الذي تُستخدم ضده وتوجه نحوه. في الغالب لا يستطيع الناس مقاومة تاثير القوة عليهم لان نتائجها وخيمة وكارثية ومؤلمة بالطبع . فهي قوة مادية تسحق وجودهم المادي والروحي.
قليلون من يستطيعون مقاومة هذا السحر سواء كانوا فاعلين او موضوعاً للقوة.
تفرض القوة سرديتها على نحو طاغٍ. ها نحن نرى كيف يجري تشريح قضية حية وعادلة كالقضية الفلسطينية وكيف يتم التمثيل بها.
منطق القوة اخذ البعض إلى تجميل التسليم والخضوع واستقباح الرفض من حيث المبدأ قبل الخوض في الشكل والمضمون والشرعية .
لم يغب عن ذوي الألباب ممن راقبوا السلوك البشري ان يفطنوا إلى أشكال هذا الانسحاق الفكري والسلوكي والنفسي.
نتذكر المقولة الفاتنة المنسوبة إلى ابن خلدون القاضية بان المغلوب يُعجَب بالغالب ويقلّده.
انظروا إلى ما حولكم من اصوات تنبع من ظهرانيكم تتلذذ بإعلان نصر الكيان وحدود او لاحدود قدرته على السحق والمحو والإبادة .
افتتان شبقي بالقوة وسحرها بعيداً عن اي حسابات إنسانية أو قيمية أو جيوسياسية أو ثقافية.
يدعونكم إلى الدخول أفواجاً في العهد الجديد. وهو عهد بلا ملامح ولا ضمانات سوى سحر القوة المسلطة على الرقاب.
ماذا في اليوم التالي؟ ماذا بعد الخراب ؟ ما الذي سينبثق من الركام والرماد؟ ما التالي بعد التشرد والنزوح والتهجير الجماعي والطرد؟
ليس لديهم اجابات متسقة إلى الآن. المهم أن ينام الكيان مرتاح البال وقد أزاح عن نفسه كابوس الرفض وتخلّص من التهديدات . حتى وإن كانت التهديدات تضرب شمالاً ويمنةً فلا يهم إلا انها انزاحت عن كاهل الكيان. أما المجتمعات العربية فلا داعي للتفكير بها. ففيها، يذهب كابوس ويولد آخر من جوفه. ماذا نتوقع أن يولد من كل هذا الدمار : عروض أوبراليّة، مسرحيات ملحمية، سيرك للتسلية؟
المنظمة الوحيدة التي كانت تمد الفلسطينيين بأمل ذاتي في التعليم والصحة والرعاية، اي الانروا، ها هي اليوم محظورة تلاحقها تهمة الا رهاب. رغم دورها في تخفيف آثار النكبة وعدم تحويل كل المشردين إلى عوامل دمار ذاتي وجماعيّ.
على ماذا تهلّلون؟ ما هي دوافع الفرحة؟
إنها مسالة تتجاوز حزباله هذا الحزب الذي يقترب اسمه من الزبالة الطائفية ودوره التدميري في المنطقة خصوصاً اليمن وسوريا .
لبنان تُسحق أمام اعيونكم.
للننظر معكم اليكم.
أين ترون أنفسكم غداً؟ وما هو الدور المناط بكم أمام منطق هذه القوة؟
بالمناسبة انتم مثلكم مثل الآلاف مجرد مستهلكون ومكرِّرون لدعاية ايديولوجية ما دون ذلك لا مكان لكم في سوق ما بعد القوة: لا تصلحون للدخول في مضمار الانتاج ولا الابداع لأنكم بعيدين عن قيمه. هي ساحقة وتهرس اي متأخر ما لم يكن ترساً عضويا فيها. بعد الانتصار ستنتفي الحاجة لاصواتكم. ولن تكونوا ابداً ترساً عضويا فيها . لانها قوة وحشية تقوم على الربح فقط. غداً ستكونوا عبئاً اضافياً معنوياً ومادياً. وهي قوة وحشية راسمالية تعززها تصورات وهمية دينية لا مجال للعلمانيين والمحلدين داخلها.
إنها قوة طرد مركزية أنانية النشأة.
مصطفى ناجي
من صفحة الكاتب على موقع إكس