تمضي عملية عقد إتفاقية أمنية بين السعودية والولايات المتحدة بخطى حثيثة ،بعد أن تم إنجاز العديد من متطلبات عقدها ، وهي إتفاقية تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة، وإعتبارها كجزء من الأمن القومي الإمريكي ومصالحه العابرة للقارات.
لم يُكشف النقاب عن بنود تفصيلية لهذه الإتفاقية ، إلا إن عقدة المنشار التي تحول دون تمريرها في الكونجرس ، تكمن بربط المصادقة عليها بالتطبيع الفوري بين السعودية وإسرائيل ، ومادون ذلك يمكن إعتبار إقرار الإتفاقية الدفاعية إستعصاءً غير قابل للتجاوز.
الموقف السعودي يتدحرج إلى الخلف ،ويذهب نحو التلاعب بالصيغ والإنتقال من الإشتراط القطعي بأن لا تطبيع قبل حل إقامة الدولتين، إلى البحث في مسار تفاوضي مدته أربع سنوات ويفضي لحل القضية الفلسطينية ، ما يمنح المملكة غطاءً سياسياً وإخلاقياً للرضوخ للمطلب الإمريكي، وخلق مزامنة بين التطبيع وتشكيل هذا المسار المفتوح على مارثون تفاوضي ، ربما يشبه مؤتمر مدريد الذي إستمر من مطلع التسعينات وحتى اللحظة بلا منجز ملموس ، أو حتى في أحسن الأحوال مفاوضات أوسلو التي قذفت بالقضية الفلسطينية إلى مخرجات الإعتراف بإسرائيل ،ولم يوقف الإستيطان أو يمنح الفلسطينيين حق بناء الدولة.
الإتفاقية الدفاعية بالنسبة للمملكة قضية ملحة تؤمِّن حماية دائمة ومباشرة لأراضي وأجواء السعودية ،من مخاطر تتهددها من جارها الحوثي الجنوبي الذي يلعب دور مخلب القط لإيران، ويهدد أمن الداخل وثروات المملكة وعموم المنطقة.
واشنطن تحصلت على تعهدات بشأن تقليص حضور الصين التجاري، والمحافظة على السياسة السعرية لبيع النفط بالدولار ، ولكنها تبقى تلك المكاسب مجرد هوامش ،مقارنة بالمطلب الإمريكي الجوهري ، المتمثل بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أولاً ، وتمكينها من قيادة المنطقة عسكرياً وإقتصادياً ، وتشكيل التحالف الإقليمي بقيادتها ، من أجل درء خطر إيران بعد إستبعاد إسرائيل من قائمة أولوية المخاطر.
إذا كان بايدن إستخدم اللغة المواربة أو الأقل علنية في الضغط على الرياض، فإن ترامب أكثر إندفاعاً وتصلباً تجاه ما اسماه بالسلام الإبراهيمي ، الذي أنجز مرحلته الأولى أثناء ولايته السابقة ، وعازم على إستكماله في عهدته الرئاسية الأخيرة.
يدرك ترامب أن الرياض وهي المركز الديني المقدس ،هي بوابة أو حجر دومينو ستتساقط بعدها كل الأحجار في حضن التطبيع ، حيث يجمع ترامب بين متلازمتين لا حماية للسعودية من غير ثمن ، ولا إتفاقية أمنيةً قبل التطبيع.
السعودية بين فكي كماشة فهي بحاجة للحماية وسط تحديات جدية تطالها ، وهي في ذات الوقت في حرج سياسي أمام شعوب المنطقة ،بعد أن بدت أكثر تشدداً في وقت سابق ،حيال التمسك بحصان الدولة الفلسطينية قبل عربة التطبيع مع إسرائيل، في حين يرى ترامب إن العربة قبل الحصان ، لذا ربما التذاكي الدبلوماسي السعودي بإبتكار صيغة المسار التفاوضي ،وإنتزاع الإجماع بإقراره في القمة الأخيرة ،يمنح الرياض مخرجاً لايسمها بالخضوع للضغط الأمريكي ، في حين إن صيغة الإطار التفاوضي ثمناً متلاعب به ،مقابل تطبيع شامل بلا ملاح سياسية محددة ، تمكن السعودية من ضمان أمنها عبر الإتفاقية الأمنية ،دون أن تكون مقيدة بشرطها السابق حول دولة فلسطينية أولاً.
الحوثي بعدوانيته للجوار يضر بالقضية الفلسطينية، يسحب إسرائيل من سُلَّم أولية الخطر ، ويدفع إيران مكانها.