مساء الخميس، خرج عبدالملك الحوثي بخطاب جديد، كأنه يريد أن يتأكد أن “أبو جبريل” ما زال حاضرًا على الساحة. في خطابه، حمل راية “المقاومة”، مستثمرًا جرائم إسرائيل في غزة وسوريا لتكون مادة جديدة لخزعبلاته الطائفية. تحدث عن 26 مجزرة خلال أسبوع واحد، أسفرت عن حوالي 900 شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء. أرقام مرعبة، لكن الأرقام عند الحوثي دائمًا جزء من الديكور الخطابي، مثل العبارات التي توضع في واجهة المشهد السياسي.
الحوثي، كعادته، لا يفوّت فرصة للصراخ. فهو يراهن على السلاح بدلًا من المفاوضات، ويوافق على خارطة السلام من تحت الطاولة لكسب الوقت، بينما يصرخ عن تفجير البحر الأحمر لجذب الغوغاء. هل هذه استراتيجية أم لعبة سياسية مكشوفة؟ لا أحد يعرف، لكن الجمهور موجود دائمًا.
فيما استغل الحوثي الحديث عن العدوان الإسرائيلي على غزة وسوريا، غاب عن خطابه الإشارة إلى أن قيادة تحالف الشرعية في اليمن كانت من أوائل المدينين للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والجولان. ومع ذلك، يواصل الحوثي إعادة صياغة الأحداث بما يخدم طموحاته السياسية، متجاهلًا المواقف المبدئية التي لا تتناسب مع أجنداته.
أما داخليًا، فإن الحوثي لا يخجل من قمع شعبه. منظمة رايتس رادار وثقت 428 حالة احتجاز لمواطنين حاولوا الاحتفال بثورة 26 سبتمبر. فكيف يمكن لرجل يدين “الظلم العالمي” أن يغض الطرف عن قمع شعبه؟
خرجت الحشود في صنعاء اليوم استجابة لدعوة الحوثي، في استعراض للسيطرة أكثر منه تعبيرًا عن الولاء. وكما قال الصحفي عبدالرحمن أتيس: “صنعاء دائمًا ما وقفت مع الطرف الغالب.” هذه الحشود ليست جديدة؛ المدينة تتقن فن التكيف، مثل الحِرباء.
ربما يمكن أن نقول إن صنعاء تشبه عصور الإغريق والرومان، حيث كان القادة يتبارزون أمام الجيوش لتحديد المنتصر، ثم ينضم الخاسر إليه بلا تردد. لكن هل هذا ضعف أم براعة في البقاء؟ الإجابة عند التاريخ.
لم يتعظ الحوثي من دروس الماضي القريب. حسن نصر الله الذي أسس لمعادلة الصراخ والشعارات انتهى مكوَّمًا تحت الركام، وبشار الأسد الذي أثار الإعجاب بكلماته المنمقة وجد نفسه هاربًا في موسكو. الحوثي لم يكسب منهما إلا الشعارات، والصراخ، وعبدالباري عطوان!
في تحليل لمجلة فورين أفيرز، أُشير إلى أن الحوثيين قد يصبحون الهدف التالي للتحالف العربي إذا تغيرت المعادلة الإقليمية. الحوثي، بخطبه، يبدو وكأنه يحشد للمواجهة المقبلة، متجاهلًا أن المعركة الحقيقية في الداخل، حيث الجوع والانتهاكات.
وكما قالت الباحثة أفراح ناصر في المركز العربي واشنطن دي سي: “الحل في اليمن لن يكون عسكريًا، بل دبلوماسيًا.” الحوثي، كعادته، لا يسمع إلا صوته، ولا يرى إلا نفسه. وبينما يراهن على البنادق والصراخ، يبقى اليمن، مثل غزة، عالقًا في لعبة أكبر من حدوده.