آخر تحديث :الأربعاء-30 أبريل 2025-01:54ص

شيء اسمه التداخل الخارجي

الأربعاء - 30 أبريل 2025 - الساعة 01:52 ص

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


لا أظن أحدًا قادرًا على إنكار أن الحساسية من “التدخل الخارجي” قد تراجعت كثيرًا في الوطن العربي. القاعدة الأساسية لذلك أن الاستبداد الداخلي يقلل من حساسية السكان تجاه “الخارجي”، وينظرون إليه كدواءٍ مرٍّ للخلاص من القمع والإذلال الذي يعانونه على يد القريب الداخلي.


في اليمن قديما، كانت حساسية اليمنيين تجاه الغزو العثماني أقل نتيجة الوضع الكارثي لاستبداد ورجعية دولة الإمامة. وفي عراق 2003، خففت وحشية البعث الصدامي من وقع التدخل الأمريكي، ورآه الكثيرون فرصة للخلاص.

بل إن مثقفين ماركسيين معادين للإمبريالية رأوا فيه تطورًا مهمًا للعودة إلى مرحلة “الصفر الاستعماري” وإعادة بناء المجتمعات العربية ديمقراطيًا!


أتذكر أننا جميعًا هللنا لتدخل الناتو في ليبيا عام 2011، ونسينا كل شعاراتنا حول مقاومة الإمبريالية والطغيان الغربي، ورأينا في إسقاط القذافي على يد الناتو انتصارًا للثورة والمظلومين.

كما أننا جميعًا هللنا لـ”الحماية الدولية” للسوريين من جرائم نظام الأسد، وتحمسنا لتهديدات أوباما وترامب وترقبنا قصف نظام الأسد وإسقاطه عسكريًا، وعندما تراجع ترامب عن تهديداته اعتبرنا ذلك خيانة للثورة وللحياة.

وهي نفس الظروف التي تدفع بعض السوريين لطلب تدخل دولي لحماية الأقليات في سوريا من النزعة الإبادية للنظام الجديد.


الوضع اليمني يبدو أكثر الأوضاع انكشافًا لمعادلة التدخل الخارجي.

فالمليشيا الحوثية نشأت بدعم خارجي إيراني، وتقتل اليمنيين منذ زحفها للعاصمة عام 2014 بسلاح إيراني وخبراء إيرانيين وخطط وأجندات إيرانية. كما أن هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر تلبية لأوامر خارجية من الكفيل الإيراني ومصالحه.

ولم تظهر معارضة يمنية داخلية لعاصفة الحزم 2015 إلا بعد أن خرجت عن أهدافها وتحولت إلى قتل مجاني للمدنيين، وتهميش مستمر للحكومة الشرعية، وعبث بالملف اليمني أدى إلى تضخم قدرات الميليشيا وتحولها إلى خطر إقليمي.


إذًا، مشكلة التدخل الخارجي ليست مشكلة أخلاقية، وليست مشكلة “احترام”، كما قال أحد المحللين الاستراتيجيين الذي رأى أنه لا يوجد يمني “يحترم نفسه” يؤيد التدخل الخارجي.

مشكلة التدخل الخارجي أن أهدافه غير مضمونة، وقد تكون متعارضة مع أهداف السكان المحليين المضطهدين، وقد تؤدي إلى مفاقمة أوجاعهم وزيادة جرائم المستبد الداخلي ضدهم.


والموقف من التدخل الخارجي ليس موقفًا متعلقًا بالشهامة والرجولة وبقية تفاهات الأخلاق الأعرابية، وإنما هو موقف عملي مرتبط بحساسيات الوضع الداخلي، ورغبة الناس في التحرر، ومدى توافق أهداف التدخل الخارجي مع أهداف التحرر الوطني، وقدرته على حماية المدنيين والعمل يدًا بيد مع الحكومة الشرعية (في الحالة اليمنية).


في النهاية، يظل التدخل الخارجي أداةً مزدوجة النتائج؛ قد يكون طوق نجاة حينًا وكارثة حينًا آخر. والرهان الحقيقي ليس في وجود التدخل أو غيابه، بل في مدى قدرة المجتمعات المحلية على استثمار اللحظات الفارقة لصالح مشروع تحرري وطني مستقل، لا يتحول فيه الخارج إلى سيد جديد ولا إلى شماعة لتعليق الفشل.

…………..