أكبر فاجعة في هذا البلد بأن انتهاكات حقوق الإنسان لم تعد مقتصرة على العسكر ومشائخ القبائل فحسب، بل صارت الانتهاكات تُمارس من قبل بعض قضاة المحاكم ورؤساء ووكلاء النيابات،
فأصبح المواطن اليمني في حيرة من أمره، و واقع بين مطرقة العسكر، وسندان القضاة.
ففي ظل الاختلالات الشائبة داخل مؤسسة الدولة، أتسعت رقعة الانتهاكات، والغي الهامش الديمقراطي، وقُيدت الحريات، وأرتفعت حالات الاحتجازات التعسفية وجرائم الاختفاء القسري، ولم تتوقف هذه الانتهاكات عند العسكر والجماعات المسلحة فحسب، بل يرجع في الأساس إلى عدم قيام النيابات والمحاكم بدورها القانوني والأخلاقي والرقابي تجاه الاعتقالات ومراكز الاحتجازات الغير قانونية.
كذلك ليس بوسع أحد أن ينكر بأن الأحكام الجائرة والظالمة التي يصدرها بعض ضعفاء النفوس المحسوبين على السلطة القضائية، تركت آثارًا سلبية على المؤسسة القضائية، لكنها لم تُفقد المواطن ثقته الكاملة بالمؤسسة القضائية، باعتبار المؤسسة القضائية بالنسبة له طوق نجاة في بلد يشوبها الظلم والقهر اليومي.
لذا تأتي قدسية القضاء هنا من قدسية القانون، لا حصانة لقاضٍ أو حاكم أخل بالتشريعات الوطنية واتفاقيات حقوق الإنسان.
على أي حال، يأتي إصلاح المؤسسة القضائية ضمن أولويات أي حركة إصلاحية تسعى إلى انتشال البلد الغارق في الفساد والحروب والصراعات الداخلية; كون استعادة مؤسسات الدولة مرهون بإعادة الاعتبار للقانون، وإعادة الاعتبار للقانون مرهون بإصلاح المؤسسة القضائية.
في الأخير، توالي الفشل المتكرر للأنظمة العسكرية في الوطن العربي، أفقد المواطن اليمني ثقته بالأنظمة العسكرية بشكل كلي، وصار الرهان اليوم على القضاة بأن يكونوا هم بناة الدولة المدنية، و قادة حركة التغيير و الإصلاح الإداري والاقتصادي الشامل، و يقع على عاتقهم انتشال اليمن من هذا المستنقع المزري.