آخر تحديث :السبت-13 يوليه 2024-07:23ص

تمويل الحرب والانتهاكات بالصمت

الأحد - 07 يوليه 2024 - الساعة 12:27 ص

مصطفى ناجي
بقلم: مصطفى ناجي
- ارشيف الكاتب


خلقت الحرب في اليمن واقعا حقوقياً غير معهود من الانتهاكات في كميتها ونوعيتها. ووحشية المتحاربين وانفلاتهم من اي منظومة قيمية واخلاقية وقانونية خصوصا الجماعة الحوثية تقتضي تفعيل آليات مناصرة وحشد المجتمع كله للدفاع عن الضحايا.

التجارب العديدة التي ظهرت في العشر السنوات أثبتت أن لجوء الأهالي إلى كتمان حالات الانتهاك وعدم المسارعة إلى إعلان وقوع ضرر وإشراك الإعلام والرأي العام توخياً في حل آخر والاتكال إلى وساطات كان أسوأ الخيارات. اذ طال امد المعاناة واصبحت الاسرة كلها تحت طائل ابتزاز الوسطاء والمشرفين ولم ينل الضحايا فرصة في الدفاع ولم تتشكل لاجلهم ضغوط عامة فكانوا فريسة للتعذيب حد الموت.

بل ان الانتهاكات خصوصاً الاعتقال التعسفي والإخفاء يتحول إلى بزنس ويخرج عن اي دوافع سياسية.

كانت فرصة الذين وقف وراءهم الإعلام والرأي العام في النجاة اكبر. بينما يتحول الضحايا غير المعلن عنهم إلى مخفيين قسريا ولا احد يعرف بقضاياهم ويخرجون من السجون جثثا هامدة. هل تتذكرون قصة الشاب الحكيمي الموظف في منظمة دولية ؟ او تتذكرون قصة الصحفي انور ؟

لذا فان المنطق يقتضي ان يتعامل الوسط الحقوقي -إذا كان كذلك فعلا وكانت غايته هي الدفاع عن حقوق الناس -  مع ديناميكية الواقع وفهم التجربة الخاصة من هذه الحرب وسلوك فاعليها وقياس اسباب نجاح المناصرة من عدمها.

تُجمع الأوساط الحقوقية على وصف الفاعلين وماسكي السلطة بانهم ميليشيات اي انها جماعة تستحوذ على السلطة والقوة القهرية ولا تمتثل لا لقانون ولا لاجراءات قانونية ومسارات عدالة اعتيادية. بل انها لا تمتثل لعرف قبلي واجراءات محلية لتسوية النزاعات. لكن مع هذا هناك اطراف حقوقية تناقض نفسها وتسعى إلى حرمان الضحايا من المناصرة المفتوحة وإشراك الرأي العام.

والأغرب ان سفارات ومنظمات تلجأ إلى الصمت عن انتهاكات تطال موظفيها وتضع نفسها -في احسن الاحوال- عرضة لدفع فدية وبالتالي تمويل الحرب والانتهاكات. وهذا امر لم نشهده إلا مع الجماعات الارهابية التي اتخذت من الاختطاف وسيلة تمويل.

استغرب جدا من انزعاج بعض الحقوقيين من إشاعة تعرض بعض الناس لانتهاكات وحشد المجتمع وتشكيل قاعدة ضغط اكثر من انزعاجهم من تعرض الناس للانتهاكات.

لن تتعرض العائلة لأذى اكثر مما هو حاصل. صمت العايلات او دفعها إلى الصمت يعني ضمنا الاستسلام للتهم الموجهة لأبنائها وبناتها.

خصوصا وأبناءها يتعرضون لانتهاكات ذات طابع سياسي مهما تغلفت الانتهاكات بأغلفة اخلاقية وادعاءات وطنية والأصل كسر هذا التابو واعادة تعريف الانتهاكات بطابعها السياسي والا فان الحقوقي يدافع عن من يقوم بالانتهاكات -دون دراية منه في احسن الظن منا به -  او انه يرغب ان يكون الوكيل الحصري للمناصرة والدفاع على حساب نجاة الضحايا كما يقول التجربة.

شجب اعلان الانتهاكات يتحول من الدفاع عن الحقوق إلى الدفاع عن مهنة الحقوقي وشكلياتها (ادبيات وأخلاقيات المهنة) الذي يرى ان المسألة حصرية به وبادواته ولا يهمه النتيجة.

مهمة الحقوقي الجاد اذن هي محاربة وقوع الانتهاكات ومحاولة تحولها إلى بزنس. وهذا لا يتم إلا بحشد طاقات المجتمع وتشكيل ضغط واسع النطاق يضع المنتهكين امام مسؤولياتهم القانونية والسياسية.
فكل طرف من اطراف هذه الحرب معني بشكل او باخر بصورته العامة ويجب التلويح بالعدالة الانتقالية وكلما ظهرت للعامة حالات الانتهاكات ساعد هذا في التريب للعدالة الانتقالية من جهة، لكنه ايضا يصب في التأثير على صورة الفاعلين.
التستر في نهاية المطاف لا ينقذ الضحايا لكنه يساعد في تجميل صورة الأطراف التي تنتهك الحقوق.

من صفحة الكاتب على موقع إكس