آخر تحديث :الخميس-08 أغسطس 2024-06:05م

محاولات كهنة الآل.. بين محو رموز حِميّر وطمس ذاكرة سبأ!

الجمعة - 12 يوليه 2024 - الساعة 11:57 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


اعتادت الإنسانية بـ مجتمعاتها ودولها ومؤسساتها على تخليد أسماء الشخصيات التاريخية، والرموز الثورية، والعلماء والمفكرين، وكبار الشخصيات الإجتماعية الفاعلة النافعة، من الذين لهم إسهامات بارزة في شتى المجالات لمصلحة أوطانهم، عبر ذكرهم في ضفاف المؤلفات، أو نحت أجسادهم وتشكيل المجسمات، أو رقش أعمالهم بالنقوش، أو حفظ سجلاتهم بالمتاحف، أو تسمية الشوارع العامة والأحياء والمدارس والمستشفيات والجامعات والمساجد  بأسمائهم؛ وذلك كونها تعّبر عن هوية ذلك المجتمع، وتعد مرآة لعكس موروثه، وتمثل بطاقة تعريفية لخريطة حضارته وتاريخه.

وبالمقابل، فإن الكهنة والمشعوذين، والمخربين والمجرمين، وقُطاع الطرقات، والشخصيات الظلامية، والعبيد الخانعين، والقفازات القذرة، والعملاء والمرتزقة والخونة، ومفتعلي الفتن، ومدمري الأوطان؛ لا تجد أسماؤهم إلا في قصاصات ورق الصحف والمجلات للتندر عليهم، أو بين أروقة الروايات المرعبة التي تحكي طريقة نهايتهم، أو في ضفاف الأمثال الشعبية للسخرية من أفعالهم، أو ضمن المؤلفات للتحذير من سلوكياتهم، أو بمحتوى أدب الجريمة وقصص التحري للتشنيع بهم، أو في طيّ الأدبيات المتنوعة لأخذ الدروس المستفادة للتنبيه من مخاطرهم، أو في قواعد بيانات الأدلة الجنائية لأخذ بصماتهم وتوثيق ملمح صورهم الدميمة!.

خلال العقد الأخير وفي سياق فترات زمنية متقطعة، أقدمت الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة بجهود مضنية -وبشكل تدريجي- على تغيير مسميات ما تحت سيطرتها من الشوارع والمدارس والمستشفيات والجامعات والحدائق والقاعات الدراسية والميادين والأحياء والساحات والمجسمات والملاعب الرياضية والنصب التذكارية والمساجد وغيرها؛ وكل ذلك محاولة منهم لمحو ذاكرة المجتمع الحضارية، وطمس هويته التاريخية، وطمر مسميات الرموز الثورية، واستبدالها بمدلولات كهنوتية سلالية!.

وذلك ليس بجديد على قبحهم وكيدهم وخبثهم وبغضهم للحضارة اليمنية الضاربة جذورها في عمق التاريخ، ابتداءً من إخفاء الكتب ودفن المخطوطات، إلى تزوير المؤلفات، والعبث بالآثار، وتغيير المسميات، وإزالة المعابد القديمة، ومحق الهياكل الأثرية، وتحطيم النقوش عبر كشطها أو الحفر عليها أو تغطيتها بطرق متعمدة يملؤها الحقد واللؤم!.

ولا غرابة، فقد أشار إلى ذلك شيخ الأثريين وراهب الصحراء "أحمد فخري"، عند زيارته إلى مأرب سنة ١٩٤٩م في عهد الإمامية البغيضة، حيث تفاجأ وصدم لما عاينه من تحطيم وهدم للآثار القديمة بشكل ممنهج، وتكسير الأحجار المنقوشة وتشويهها، ونقلها لرصف الإصطبلات، وبناء الأرضيات لدور حكومة الكهنة، وإزالة المعابد وهدم الهياكل من قبل عامل الكهنة في مأرب حينها "الكحلاني"!. ولم يكتف الكهنة وقفازاتها عند ذلك، فقد امتدت أيديهم القذرة إلى "سد جفنة" القريب من سد مأرب وحطموا جزءاً كبيراً منه.

وفي عهد البغيض يحيى حميد الدين، لم تسلم منه أعمدة قصور ناعط ورئام، فقد تم تكسيرها وإزالة بعض نقوشها ونقلها ليتم وضعها كـ عتبات على أبواب المدرسة التدجينية -لا العلمية- بصنعاء التي بنيت على أنقاض قصر الأروام!. وأيضاً، لم تسلم الأحجار التي كانت في ظاهر جامع صنعاء، فقد تم تشويهها وتنحية حفرياتها، وقاموا بطلاء الأعمدة (الدعائم) بالكلس السميك (الجبس)؛ وذلك من أجل محو كل ما هو مرتبط بـ ممالك سبأ وحِميّر!.

أما في العهد الجمهوري الأول المُخترق من قبل الكهنة السلالية، فقد أكمل أحفاد عامل الإمامية البغيضة  بـ مأرب، مشوارهم ومسيرتهم بمداهنة وتستر في أمانة العاصمة، وما حولها وما جاورها!. بينما في وقتنا الحالي وفي ذروة الطمأنينة والنشوة، أخرج أحفاد الكهنة السلالية أحقادهم الدفينة، وظهرت خباياهم الخبيثة في محاولتهم الحثيثة لطمس الحضارة، وتجريف الهوية، وإرجاع عجلة التاريخ، وإفراغ أرض سبأ وحِميّر من موروثها وآثارها!.

ختاماً، لا يحتاج أحفاد سبأ وحِميّر بأن يستمروا في كتابة قائمة أسماء مؤلفاتهم السابقة والجاهزة، في مقدمة أو خاتمة كل كتاب جديد يتم إصداره لهم، وذلك خوفاً من إخفائها أو دفنها أو تحريفها من قبل كهنة الآل وقفازاتها القذرة، بل إنهم بحاجة ماسة إلى إزالة مسببات وجذور تلك المخاوف!. وايضاً، من غير المقبول استمرارية أحفاد سبأ وحِميّر بالتوجس على آثارهم ونقوشهم وشواهد حضارتهم وموروثهم ومسميات رموزهم بين الفينة والأخرى، ولكن يجب قطع دابر الشر، واستأصل كافة بواعث ذلك التوجس. كما ينبغي على أحفاد سبأ وحِميّر  من المتخصصين في الآثار والنقوش والتاريخ العودة إلى الأماكن التي لم تطأها أرجل الكهنة ولم تصلها أيدي السلالية وقفازاتها، من جزر وسواحل ويابسه، أو المقرات والمقامات الطاردة لهم والتي لا تقبلهم تواجدهم نهائيا؛ وذلك لاستخراج نفائس عظمة وعراقة الحضارة السبئية الحِميّرية.