آخر تحديث :الأحد-06 أكتوبر 2024-02:07ص

أول مدينة في شبه الجزيرة العربية تعرف الطب الحديث

الأحد - 06 أكتوبر 2024 - الساعة 01:11 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


فيديو وثائقي نادر عن الخدمات الطبية الحديث في عدن؛ أول مدينة في شبه الجزيرة العربية تعرف الطب الحديث يعد خطاب الصحة الاجتماعية من أهم الخطابات التي أخذت تزدهر في الدوائر الثقافية والإعلامية والأكاديمية المعاصرة ، إذ شهد المجال الصحي اهتماما منقطع النظير، لا سيما منذ منتصف القرن العشرين بما جعلنا نتوافر اليوم على خطاب غني بالدوال والدلالات وبالفاعلين والأفعال والقوى والعلاقات والمؤسسات والممارسات ( الصحة والمجتمع ، الصحة العامة ،الصحة والمرض، الوقاية والعلاج الصحي، الوعي الصحي، الثقافة الصحية، الحياة الصحية، صحة المرأة، الصحة الإنجابية ، صحة الطفل ، التغذية الصحية ، الصحة المدرسية، صحة العائلة، السياسة الصحية، التأمين الصحي، الاقتصاد  الصحي ، الإدارة الصحية، العلوم الطبية، الطب الشعبي، الطب البديل، الطب الحديث، حقوق الإنسان الصحية، علم اجتماع الصحة، الديمغرافيا الصحية ، السكان والصحة ، علم اجتماع الجسد ، علم الأوبئة ، فلسفة الصحة ، علم النفس الصحي، الانثروبولوجيا الصحية، علم التربية الصحية، الصحة المدرسية، الخدمة الاجتماعية الصحية، سوسيولوجيا المؤسسة الطبية، علم الاجتماع الطبي، علم اجتماع الجريمة ، علم اجتماع الإدمان، والانحراف.  فضلا عن مجالات التطبيب والعلاج والأدوية والأدوات والأجهزة والتشريعات الصحية والمؤسسات الرسمية و المدنية ( منظمة الصحة العالمية، والهلال الأحمر، وأطباء بلا حدود، ووزارات الصحة ، والنقابات الصحية، والإعلام الصحي المكتوب والمسموع والمرئي .. الخ )على هذا النحو أضحت الصحة وخطابها تتخلل مختلف مجالات حياة الإنسان المعاصرة (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والأخلاقية والجمالية والدينية..الخ)  فعلى الصعيد الإبستيمولوجي غدت الصحة ومشكلاتها لأول مرة في تاريخها موضوعاً للعدد واسع من العلوم الاجتماعية والإنسانية ولم تعد حكرا على العلوم الطبية كما كانت في الماضي. وهكذا بدأ الأمر وكأننا بإزاء اكتشاف جديد للكائن الإنساني وحياته وصحته بوصفه كائنا جديرا بالحياة الصحية الطيبة كحق من حقوقه الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. والسؤال هو: كيف يمكن فهم وتفسير هذا التحول الثوري في خطاب الصحة الاجتماعية والطب المعاصر ؟ وما هي الأسس الثقافية التي مهدت السبيل لنموه وتبلوره وازدهاره في الحضارة الحديثة والمعاصرة ؟ وما معايير قياس صحة الفرد والمجتمع ؟ وكيف هو حال صحة مجتمعاتنا العربية الإسلامية اليوم ؟ هذه الأسئلة وما يتصل بها من مشكلات هي ما سوف نوليه عنايتنا في بحثنا الموسوم ب ( الأسس الثقافية لخطاب الصحة الاجتماعية) لقد تسأل احد الباحثين العرب "هل للمناخ الثقافي العام .. تأثير في الممارسات أو التصورات الطبية عن المرض والصحة أو الجسد والنفس؟ هل للطب علاقة بنوع الرؤية الكونية التي يتبناها المجتمع؟ هل بالإمكان معاينة الطب بوصفه ممارسة تأويلية, يكون الجسد هو نصها, والشفاء هو بمثابة البحث عن المعنى, وعمليات العلاج هي ذاتها عمليات قراءة النص؟ هل بالإمكان معاينة الطب من منظور علاقات القوة والمعرفة, بحيث يكون الطب معرفة وأداة من أدوات الهيمنة؟ هل بالإمكان المقارنة بين "التعددية الثقافية", وما يمكن تسميته بـ"التعددية الطبية"؟ وأخيرا هل بإمكاننا النظر الى الطبوالممارسة الطبية من منظور مغيار ومن أفق مختلف عما هو سائد اليوم؟" أن سلوك الناس وتفاعلاتهم وعاداتهم وتفضيلاتهم وأفعالهم وردود أفعالهم ومؤسساتهم ونظمهم وتقاليدهم لا يمكن تفسيرها وفهمها من خلال تمظهراتها المباشرة, بل لابد من الذهاب إلى ما ورائها, من المنطلقات الإعتقادية الايديولوجية والفكرية أو بكلمة واحدة  (الثقافة السائدة) إذ أن اعتقادات الناس في أي زمان ومكان ليس مجرد أفكار أو تصورات معنوية وكلمات ومفاهيم معرفية مجردة, بل هي نتاج قوى  وسياقات اجتماعية وسياسية وثقافية نشاءت وترسخت عبر مسار طويل من الممارسات والخبرات والتجارب في أنماط سلوك وعادات وتقاليد أو على حسب بورديو (هابتوسات)  بمعنى عادة أو طبع أو نسق الاستعدادات والتصورات اللاشعورية الثقافية الانثربولوجية التي تبقى بعد نسيان كل شيء .  فكيف كانت النظرة الحديثة للإنسان وحياته وصحته. ولم يكن الطب في أغلب الثقافات عبارة عن ممارسة علمية منضبطة, ولم يكن, كما يكتب فوكو في »الانهمام بالذات«, مفهوما فقط كتقنية تدخلية تستعين, في الحالات المرضية بالعلاجات والعمليات الجراحية« بل كان شبكة من المعارف المختلفة التي تشمل علوم الجسد والنفس والفلك والأخلاق والنباتات والفلسفة والمعارف الدينية والسحر والكيمياء وحالات البيئة (برودة, حرارة..) وحتى الهندسة والخطابة.  لقد لخص ميشل فوكو وضع الانسان في العصور الحديثة بعبارة ذات دلالة عميقة حينما كتب ان الانسان اكتشاف حديث العهد إذ انه  لأول مرة في التاريخ يجد نفسه بازاء قوى التناهي والاشتباك معها كقوى خارجيه عن ذاته الانسانية المتناهيه, اذ ذاك كان على قوى الانسان ان تتصدى للتناهي خارج ذاتها, ومن تم لتجعل منه في مرحلة ثانية, تناهيها هي, فتعيه حتماً كمتاه خاص بها. وحينئذ كما يقول فوكو, يركب معها الشكل – الانسان (وليس الشكل الله) وتلك بداية الإنسان.أن مسألة نمو وازدهار خطاب الطب والصحة ليست مسألة علمية فنية خاصة بالمجال الصحي بل تتعين في تلك المجالات التاريخية الحضارية والمدنية والثقافية الواقعة خارج النسق الطبي  حيث يتأمل البشر طبيعة الكون والإنسان بأعمق معانيها وأشدها غموضا، وحيث يخلق الخيال الإنساني المؤسسات التي تسمح للأفراد بالاستمتاع على الدوام بالفضاءات المحايدة أو الأطر الميتافيزيقية والثقافية الأوسع التي تجري ضمنها أنماط العلاقات والممارسات والخطابات التي تتشكل في سياقها تصورات الإنسان عن ذاته وعن عالمه وعن الآخرين تشكيلاً عميقاً، وهذا هو معنى الثقافة بعدها منظومة كلية مركبة من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه أو نفضله كأعضاء في المجتمع، فالثقافة السائدة  في حضارة ما بوصفها نموذجاً إرشادياً (باراديم) إما أنها تدعم قوى الإنسان العقلية والإبداعية أو تحد منها وتضيق فرص نموها وازدهارها

ويمكن تلخيص الأسس الثقافية لنمو وازدهار الصحة الاجتماعية في الاتي 1- النظر الى العالم والذات الإنسانية بصورة عقلانية وإنسانية جديدة, إذ أصبحت النظرة إلى الإنسان المستقل بذاته الثورة المنهجية والنظرية التي أفضت إلى تغير الصورة التقليدية عن الكون العالم ولذاته عن النظام الانطولوجيا وعن الكوسمولوجيا الأرسطية التي جعلت منه مجرد حلقة هامشيه ضمن سلسلة لا متناهية من المراتب والغايات والدرجات, أصبحت هذه النظرة الجديدة فلسفة شاملة للإنسان الأوروبي الحديث

2- الفكرة الفلسفية التي رسخت بان الإنسان مدني بالصناعة والاكتساب والتربية والثقافة والمعرفة والممارسة لا بالفطرة والطبع والغريزة والوراثة "يولد الإنسان وعقله صفحة بيضاء لكن الخبرة والتجربة تنقش فيه أثارها" حسب جون لوك

3- الفكرة الفلسفية عن الإنسان والحق: الحق الطبيعي الذي هو جملة الحقوق التي يفترض أنها بالطبيعة للإنسان من حيث هو إنسان فرد ذكر كان أم أنثى والتي يستطيع أن يدركها بالبداهة والفطرة في أعماق نفسه كمطلب أخلاقي أساسي, كالحق في الحياة والحرية والكرامة والسعادة والحق, الوضعي الذي هو جملة الحقوق المدنية التي تنص عليها القوانين المكتوبة والأعراف والعادات والتقاليد المتواضع عليها, التي منها حق العمل والتعليم والتفكير والمواطنة واتخاذ القرار وتقرير المصير والزواج والإنجاب

4- فكرة أن الإنسان هو مصدر المعرفة بقدراته العقلية والحسية, ومعيار الحقيقة ومصدر وغاية السلطة والتشريع وسيد الطبيعة وصانع التاريخ وان مصالحه وسعادته هي الهدف النهائي للتقدم التاريخي. إن هذه الصورة الجديدة التي تبلورت عن الكون و الإنسان ومعناه وحقوقه وقدراته منذ عصر النهضة الأوربية كانت بمثابة الأسس الضرورية التي مهدت لتبلور ونمو خطاب الصحة الاجتماعية الحديثة والمعاصرة