آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-04:44م

نهاية أوهام الخمينية

الإثنين - 07 أكتوبر 2024 - الساعة 11:27 م

هاني سالم مسهور
بقلم: هاني سالم مسهور
- ارشيف الكاتب


لطالما تميزت إيران بلغة مزدوجة، تعلن شيئًا وتفعل نقيضه، مُحافظة بذلك على خداع جمهورها الداخلي وأتباعها في الخارج، بادعاء امتلاك قدرات عسكرية غير عادية. على مدار السنوات، روّجت إيران لعبارات مثل “المكان والزمان المناسبين” للإشارة إلى ردودها المحتملة على الاعتداءات الإسرائيلية. لكن عندما تأخر هذا الرد، وبدأ الشك يتسرب إلى أذهان الناس في ما يتعلق بمصداقية التصريحات الرسمية، جاء الرد الأخير ليظهر كأنه مجرد محاولة لإرضاء المؤدلجين لفترة قصيرة، إذ أن المعلومات المتاحة تكشف عن انكشاف قدرات إيران العسكرية، دون أن تُحدث تلك الردود تغييرًا حقيقيّا في المعادلة.


على الرغم من إطلاق إيران لأكثر من 200 صاروخ، إلا أن الأضرار التي تسببت بها كانت طفيفة في مجملها، مع إصابة عدد قليل من الجرحى. في المقابل لا تزال إسرائيل تستخدم قدراتها العسكرية المتطورة لتنفيذ عمليات اغتيال دقيقة وضربات موسّعة، كان آخرها اغتيال قادة بارزين مثل إسماعيل هنية وحسن نصرالله. تدرك إيران تمامًا أن ادعاءاتها بشأن قوتها العسكرية هي أوهام، والفجوة بينها وبين إسرائيل شاسعة على جميع الأصعدة.


قبل أيام خرج المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني ليؤكد أن الفصائل في لبنان وفلسطين قادرة على الدفاع عن نفسها ضد إسرائيل، وفي الوقت نفسه تراجع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، عن هذا الأمر، مُعترفًا بأن حزب الله في حاجة إلى دعم خارجي لمواجهة إسرائيل. تعكس هذه التناقضات عمق مشكلات إيران، التي تستخدم خطابها كوسيلة للتغطية على واقع ضعفها.


إذا كانت إيران تدرك، كما يقول بزشكيان، أن حزب الله وحماس لا يمكنهما مواجهة إسرائيل بمفردهما، فلماذا تدفع بهما إلى حروب خاسرة؟ ولماذا تُغذّي زعزعة استقرار دول المنطقة وتدمّر لبنان وغزة، على الرغم من إدراكها أن قدراتها لا تقارن بقدرات إسرائيل العسكرية؟ في ظل حرب “الإسناد والإشغال” التي بدأها حزب الله، كانت طهران تتصرف وكأنها ستدعم حلفاءها في كل الظروف، لكن الواقع يشير إلى أنها تفضل البقاء على الهامش، لتترك حزب الله وحماس يواجهان مصيرهما.


تروّج إيران لفكرة “وحدة الساحات”، والتي تعني أن أيّ اعتداء ضد أحد حلفائها سيؤدي إلى رد مشترك من جميع أذرعها في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا. لكن الواقع أثبت أن هذه الفكرة لا تصمد أمام التحديات. اعتقدت حماس أنها ستجد الدعم الإيراني بعد هجوم “طوفان الأقصى”، لكن وجدت نفسها بمفردها في مواجهة الدمار. وكذلك حزب الله، الذي خاض حربًا لإسناد غزة، أدرك أنه لا يوجد دعم حقيقي من طهران.


منذ تولي مسعود بزشكيان رئاسة إيران حاول مرارًا وتكرارًا إظهار ولائه للنظام والمرشد الأعلى علي خامنئي. ولكن تصريحاته الأخيرة التي أظهرت استعداد إيران للتفاوض وخفض التوتر مع إسرائيل تعكس تحولًا نحو “التراجع التكتيكي” بدلًا من التصعيد، وهو ما يتناقض مع الخطاب الثوري الذي تميزت به طهران على مدى سنوات.


على مدى 44 عامًا عملت إيران على إنشاء أذرعها في المنطقة ودعمها، من حزب الله إلى حماس وصولا إلى الحوثيين. قدمت لهم المال والسلاح والتدريب، مدعية قيادتها لمحور المقاومة ضد إسرائيل. لكن مع مرور الوقت أصبح واضحًا أن هذه الأوهام تتلاشى أمام الواقع. إن إيران، التي طالما وعدت حلفاءها بالدعم الكامل، تتراجع تحت ضغط الضغوط الحقيقية. حتى في أوقات التوترات الشديدة، تفضل إيران أن تظل في الصف الخلفي، متجنبة المواجهة المباشرة.


في الآونة الأخيرة رفض حزب الله الوساطات الدولية لوقف إطلاق النار، ظنّا منه أن إيران ستدعمه حتى النهاية. ولكن تصريحات بزشكيان، التي أكدت على عدم قدرة الحزب على مواجهة إسرائيل بمفرده، كانت كفيلة بإظهار الواقع المرير. وجد حزب الله نفسه في حرب استنزاف مكلفة، أثّرت بشدة على بنيته العسكرية والسياسية وأضعفت شعبيته.


إيران قد تكون بارعة في الترويج لأفكار مثل “الصبر الإستراتيجي” و”وحدة الساحات”، لكنها تختار التراجع عندما تزداد المخاطر. محليّا تدعو إيران شعبها وحلفاءها للصبر مع وعد بالنصر المحتمل، بينما في الخارج ترسل إشارات إلى الولايات المتحدة وإسرائيل تؤكد استعدادها للتفاوض والتنازل.


الواقع اليوم يكشف أن إيران ليست مستعدة للدخول في مواجهة حقيقية مع إسرائيل أو الغرب. ما تفعله هو مجرد محاولة لإطالة أمد الصراع دون تقديم أي حلول واقعية أو انتصارات لحلفائها. إن إيران تعرف حجم نفسها، وتدرك أن أيّ مواجهة حقيقية يمكن أن تؤدي إلى إنهاء نظامها، ومن ثم تواصل تسويق الأوهام لعناصرها.


في النهاية يبقى السؤال: متى ستستفيق شعوب المنطقة من هذه الأوهام؟ لقد تركت إيران حماس وحزب الله لمواجهة مصيرهما وحدهما، وهي تعلم تمامًا أنها غير قادرة على تقديم الدعم الذي وعدت به.