ثلاثة أيام ولا يزال الجدل دائراً حول فيديو الذي نشره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لغارة أمريكية تستهدف العشرات من عناصر الحوثي في الحديدة
لم تستطع مليشيا الحوثي انكار الأمر بعد نشر الفيديو ولم تستطع ان تزعم بأن من ظهر في المقطع هم "مدنيون" وليسوا قياداتها وعناصرها
بل انها اكتفت بنفي وجود علاقة بينهم وبين عملياتها في البحر، الا انه بمرور الوقت بدأت تتكشف الحقيقة وأسماء القيادات التي سقطت في الضربة.
المهم في الفيديو انه يكشف مدى صعوبة تقييم الحملة الامريكية المستمرة منذ 15 مارس الماضي ، فهو يكشف حجم الخسائر الفادحة التي تتكتم عليها المليشيا .. فأول ما تُشاهد هذا الفيديو يقفز هذا السؤال : كم غارة مثل هذه تتكتم عليها المليشيا؟
ثم يأتي سؤال آخر : اذا كانت المليشيا تتكتم على خسائرها البشرية وهم بالعشرات ومنهم قيادات وكل شخص لديه أسرة وقبلية وأصدقاء ووو .. فما هو الوضع مع خسائرها المادية من أسلحة كمخازن الصواريخ والمُسيرات التي يدكها الامريكيون كل يوم وخاصة في صعدة؟
الأمر الأخر ، والذي ارجحه انا شخصياً ، ان الحملة الأمريكية ضد الحوثي تشابه ما فعلته إسرائيل بحزب الله في لبنان حيث استهدف اولاً منظومة الاتصالات ما اوجد حالة شلل لدى الحزب سهل لإسرائيل بعدها تصفية القيادات دون أي رد فعل عنيف على الأرض.
وهذا ما أشار اليه حيث مسئول أمريكي لـ "نيويورك تايمز" بـ"أن الغارات الجوية ضد جماعة الحوثي تجاوزت هدفها في المرحلة الأولى من الحملة، ما أدى إلى تعطيل قدرة كبار قادة الحوثيين على التواصل".
الا أن هناك اختلاف في الظروف والعوامل بين واقع حزب الله والحوثيين وكذا الأهداف بين واشنطن وتل أبيب ، فالاختراق الاستخباري الذي نجحت فيه إسرائيل ضد الحزب استغرق سنوات طويلة، يضاف الى ان مليشيا الحوثي سارعت الى التخلص من منظومات وطرق التواصل التي صممها عناصر حزب الله للجماعة عقب ضربة "البيجر" بل ان المليشيا وضعت من تبقى من عناصر الحزب تحت الإقامة الجبرية وعزلتهم عن أي تواصل مع قياداتها.
ومع انطلاق الحملة الأمريكية سارعت قيادات المليشيا وخاصة الصف الأول الى تشديد إجراءات الحماية لمنع الاختراق والاختفاء عن الأنظار واعتزال كل وسائل التواصل الحديثة بل كل ما يمكن له ان يرتبط بشبكة الانترنت ، وجعل التواصل فيما بينها قائم عبر مساعديهم وبطرق وأساليب محددة وضعها القائمون على جهاز المخابرات الخاصة بالمليشيا، أي ان وضعهم بات يشبه الى حد كبير وضع زعيمهم عبدالملك.
وهو ما يجعل الخيار امام واشنطن هو استهداف هذه العناصر المسئولة عن عملية التواصل بين قيادات المليشيا ، وهنا نتذكر أول عملية استهدفت سيارة في هذه الحملة الامريكية التي حدثت في منطقة نقيل قحازة جنوب صنعاء، وبحسب تقارير فإن المستهدف كان المدعو يحيى محمد قاسم الصوفي، المعروف بأبي أيهم وهو المساعد الشخصي لعبد الكريم أمير الدين الحوثي وزير الداخلية بحكومة المليشيا وعم زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.
مثل هذه العناصر يُمكن للطيران الامريكي استهداف العشرات منها يومياً دون ان يعلم هويتهم ودورهم غالبية المتابعين للأحداث بل وحتى اتباع المليشيا نفسها ، لكنها باتت تلعب دوراً هاماً حالياً.
وبذات الأمر لا يُستبعد ان تكون الغارات الامريكية قد استهدفت خلال الأسابيع الماضية قيادات "ظل" او قيادات هامشية بالنسبة للرأي العام ولكنها موكلة بمهام حساسة كإدارة عمليات نقل وتهريب وتخزين وإطلاق الصواريخ والمُسيرات او إدارة عمليات المليشيا أمنياً وعسكرياً .. هذه شخصيات غالبيتنا نجهلها تماماً ، ولكنها تمثل الهدف الرئيسي للحملة الأمريكية.
فالحملة الامريكية هدفها واضح تأمين الملاحة الدولية ونزع خطر مليشيا الحوثي على الممرات الدولية وعلى حلفاء واشنطن كإسرائيل عبر الصواريخ والمُسيرات.
أي أن هدفها استهداف العناصر المؤثرة في هذه العمليات وليس تحرير صنعاء باستهداف قيادة المليشيا الحوثية الظاهرين بالصورة كمهدي المشاط او ابوعلي الحاكم ، هذه القيادات ومعها رأس المليشيا عبدالملك الحوثي سيكون حينها مرهون بقبولهم او رفضهم الخضوع لما تريده واشنطن ورئيسها ترامب ، بعد نزع الأنياب عنهم.
لذا فأن تقييم الحملة الأمريكية يتطلب وقتاً للحكم على نجاحها او فشلها ، من خلال متابعة أداء المليشيا على الأرض وتصاعد او تقلص هجماتها ومستوى خطابها ومضمونه ان كان يُشير الى التصعيد او الى خفضه.
عمار علي أحمد