آخر تحديث :الجمعة-08 نوفمبر 2024-10:58م

نيوزيمن يجب أن يعود ويخلد

الجمعة - 08 نوفمبر 2024 - الساعة 07:30 م

سامي نعمان
بقلم: سامي نعمان
- ارشيف الكاتب


موقع "نيوزيمن" متوقف..

شاهد على اندثار الصحافة الإلكترونية

========

قبل عقدين لم يكن لصحفي أو باحث سياسي أو ربما متابع يمني أو عربي أو أجنبي مهتم باليمن أن يتوقع أن يفتح ذات صباح موقع "نيوزيمن" الإخباري فيصدمه بشكل صارخ بأن آخر تحديث كان قبل شهرين بعد أن كان وكالة أنباء نوعية تصدرت الساحة الإعلامية اليمنية لسنوات..

حين كنت تتصفح الموقع بكل بساطته، خاصة عقده الأول، ونسبيا نصف الثاني، مع تراجع إمكانياته وموارده، كنت تجد فيه روح الصحافة العربية والعالمية الأكثر رقيا.. هنا كنت تجد نيوزويك وول ستريت جورنا والجارديان وواشنطن بوست ولوفيجارو ونيويورك تايمز والجارديا ودير شبيجل، ترجمة وأسلوباً وتميزاً.

لهذا الموقع، الذي تأسس عام 2004 - إن لم تخني الذاكرة- مكانة خاصة في وجدان مئات الصحفيين الذين شهدوا بداية ثورة الصحافة الإلكترونية في اليمنية مطلع الألفية، واليوم ينازع أنفاسه بلا حياة أو موت رغم أن مؤسسه يدير إحدى أكبر شبكات الإعلام في البلاد.

أسس نبيل الصوفي موقع الصحوة نت التابع لحزب الإصلاح كأول موقع إخباري يمني، ومع تنامي نزعة الاستقلالية لديه استقال من الصحوة وأسس موقع "نيوز يمن" ضمن أوائل المواقع الإخبارية المستقلة في اليمن، لكنه كان في صدارتها.

لسنوات مثل "نيوزيمن" وكالة أنباء ثرية ومتنوعة ومميزة، حتى وإن لم تلحق به هذه الصفة كحال بعض المواقع اليمنية الباهتة التي تحمل مسمى وكالات حالياً بلا مضمون.. كان لديه الجديد المثير كل ساعة.. لوحدة يغنيك عن متابعة مواقع وصحف اليمن والإقليم والعالم بما في ذلك التقارير المترجمة عن اليمن.. كان مصدر المعلومات والأنباء الرئيسي بلا منازع رغم وجود منافسين كانوا غالباً دونه.

التحديث على مدار الساعة، وبمواد وتقارير نوعية، وكان من ينشر مقاله أو تقريره في صحف ورقية، يحرص على نشره بالتزامن مع موقع نيوزيمن.. مرت عليه سنوات وهو متصدر لوسائل الإعلام اليمنية، ومصدراً رئيسياً لموادها ومغطياً لصفحاتها الرئيسية والداخلية..

وحين بدأ مؤسسه، نبيل، ينشط في الجانب السياسي مجدداً حرص على تسليمه لصحفيين مستقلين عملوا بكل حرفية واستقلالية، وظل متصدراً لسنوات المواقع الالكترونية اليمنية.. وأطلقت النسخة الإنجليزية منه التي أدارها الزميل نبيل سلطان..

وحين بدأ نبيل يغرق في العمل السياسي، وكصحفي يدرك معنى الاستقلالية والمهنية، سلم الموقع لصحفيين محترفين، لديهم توجه سياسي مختلف عنه، لكن لا أحد يجادل في سيرتهم المهنية.

وبظروف قاسية أمسك إدارة "نيوزيمن" الزميل رشاد الشرعبي Rashad Ali Al Sharabi، ثم عبدالستار بجاش .. وهدا الأخير اقتربت منه كثيراً وكنت مطلعاً على بعض تفاصيل شغله ومعاناته..

ظل "نيوزيمن" محافظاً على قيمة صحفية عليا في الوسط الإعلامي اليمني الذي تشوه بمئات المواقع الإخبارية بلغت أزيد من 600، وكان عدد الفاعلة ذات المحتوى الأصيل أقل من 20 أو النصف منها في أحسن الأحوال.. والبقية تعتمد النسخ واللصق وحذف المصدر..

كان الزميل بجاش يعمل ويكافح ويكتب وينشر باستقلالية، وكثيراً ضد التوجه السياسي الذي اختطه نبيل لنفسه وانحاز له.. ورغم ذلك ظلت الشتائم والتهم تطارد نبيلاً كالعادة مع كل خبر أو تقرير يغضب أي طرف.. وهنا فقط تعلو ضحكة بجاش "نبيل والله ماله علاقة لم يتصل بنا من 3 شهور.. لكن يستاهل"..

عن "نيوزيمن" صدرت مجلة أبواب التي صدر منها بضعة أعداد، لم أعد أتذكر بالضبط، ورأس تحريرها بداية الزميل محمد عايش، طبع الأول منها كما أعتقد في دبي.. كان مشروعاً طموحاً يسعى للمنافسة على غرار المجلات العالمية والعربية الراقية، فوأدته الأحداث والأزمات المتلاحقة.

حالياً؛ في ذروة انشغاله وإدارته لعشرات المنصات الإعلامية في الساحل الغربي، كعادته، وكصحفي عصامي أدار نبيل الصوفي ظهره لموقع "نيوزيمن" وتركه لشأن من يديره، يعمل مستقلاً دون أدنى دعم.. أتفهم جيداً حساسية تخصيصه أي دعم لمشروعه رغم واحدية التوجه في العمل كموقع موجه في المعركة المصيرية ضد الميليشيا الحوثية العنصرية..

تُرك الموقع لحامد الصوفي كما ترك سابقا لعبدالستار بجاش وبظروف أكثر بؤساً.. وانصرف نبيل كصاحب امتياز يدير شؤوناً ومهاماً إعلامية أخرى وتاركاً المشروع الأصل يندثر.

تُرك "نيوزيمن" يتلاشى بدون أدنى تمويل فيما تزدهر مشاريع إعلامية عديدة "مفرخة" في الساحل تكرس النسخة الواحدة وإن اختلفت المسميات والعناوين.. لو وضعت ملايين وصلاحيات تحت يد نبيل لأجل مهمة معينة فلن ينفق منها فلساً على مشروعه.

وبشكل مؤسف، فإن أياً من الزملاء الذين يعملون بجانب نبيل لم يضع يوماً في اجتماع أو يطرح تساؤلاً مجدياً -لإنعاش الموقع - أمام أصحاب القرار: أين "نيوزيمن وسط كل هذا التفريخ؟!"..

ذات يوم، وفي مشاكسة عابرة، علقت على نبيل في تويتر، ذات تغريدة اختلفت معه فيها.. أين مهنية نيوزيمن يا أستاذ.. نريد أن نرى نيوزيمن مجدداً.. فرد "أنا محارب الآن لم يعد الأمر متعلقاً بالمهنية". وفي الحقيقة اتفق معه كلياً، في سياق التعامل الصحفي العنصرية الإرهابية الحوثية المجنونة..

أنا، كصحفي مستقل، لا يعيب استقلاليتي أن تتماشى مع كل الأطراف المناوئة للعنصرية الحوثية التي تهدد حاضرنا ومستقبلنا.. هو محق قطعاً، فهذه حرب وجودية ضد عنصرية إرهابية تدمر كل شيء لأجل إيران والسلطة واستعباد الناس، وليس الموضوع تنافساً سياسياً بالمطلق..

وحالياً، نعمل جميعا أو أغلبنا كمحاربين حتى في الإعلام، إذ الحوثي ذاته من صنفنا منذ البداية كمحاربين أخطر من حاملي السلاح..

لكن المحارب العتيد لا يترك سلاحه الأكثر تأثيراً للصدأ، فيما يجهد لصناعة وصقل أسلحة أخرى، يمسك بها آخرون – بإشرافه – يتغافل غالبيتهم عن سؤال محرج ومؤلم "ما مصير نيوزيمن وسط كل هذه المنصات والمراكز والمواقع الإعلامية؟!".

الصحافة لم تعد مستقلة يا أصدقاء، ومن الظلم أن ينهار "نيوزيمن" باسم الاستقلالية فيما يخوض المعركة.. بتقديري لم تصل الصحافة الإلكترونية اليمنية منذ تأسيسها إلى اليوم إلى مستوى ما وصل إليه موقع نيوزيمن وحافظ عليه لسنوات.. قبل أن يشهد رحلة التراجع المرير القاسي.

"نيوزيمن" لم يحدث منذ شهرين.. هذه الحالة "العليلة" هي إحدى صور اليمن "العليل" والإعلام العليل وما آل إليه في سنوات الحرب.. بزوغ وتطاول منصات إعلامية كثير منها فارغة وانهيار منصات كانت تنافس على مكانة عربية ودولية مرموقة.. حتى في إطار ذات الطرف تترك شجرة ناجزة مثمرة ويذهبون لزراعة شتلة وانتظار حصادها المضني لسنوات..

"نيوزيمن" ينبغي أن يعود وينهض وأن يكون رأس حربة في المعركة الإعلامية.. لا أن يتعطل قبل أن تكبر "الفرخات" الجديدة في الساحل.. زملاءنا هناك كونوا جسورين بما يكفي لتشجيع مؤسسه، نبيل الصوفي؛ على استعادته بإدارة يختارها بقراره المستقل في تعامله مع هذا المشروع.. كان نبيل مع انحيازه الواضح للمؤتمر وزعيمه لا يرمش له جفن وهو يختار لموقعه مديرا مصنفاً على الاصلاح، لكنه يدرك أن هذا الإصلاحي يمايز بين عمله وتوجهه، بين مهنته وحزبه.

نيوزيمن يجب أن يعود.. ويخلد.. أثق أنه سيسجل مجدداً حضوراً مميزاً وإضافة نوعية مساندة، خارج المعلب الساحلي المكرر.. يجب أن يعود بنسخة "نيوزيمن" فقط..