لو الواحد قرأ وأجهد نفسه قليلاً سيكتشف أن النقاب -أو البرقع- الخاص بالنساء لم يبدأ مع الدعوة الوهابية، كما يشيع البعض عن جهل،
بل لم يبدأ حتى مع الإسلام،
فالدلائل تشير إلى أنه قد وجد قبل الإسلام عند العرب وغير العرب، ولم يكن وجوده يعبر عن مطلب ديني بالضرورة، سواءً قبل أو بعد الإسلام.
هذا ما نعرفه من كتب المؤرخين ومن روايات الرحالة الذين تنقلوا بين البلدان والمدن ووصفوا مظاهر الحياة المختلفة.
بل حتى وأنت تقرأ في كتاب أبي حامد الغزالي، الفقيه والمتكلم الشافعي الأشعري الذي عاش قبل ظهور الوهابية بأكثر من ستة قرون، "إحياء علوم الدين" تصادفك عبارة يقول فيها "إذ لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات ولو كان وجوه الرجال عورة في حق النساء لأمروا بالتنقب أو منعن من الخروج إلا لضرورة".
ولا شك أن درجة انتشار النقاب متغيرة بتغير الزمان والمكان، ليست ثابتة ولا منتظمة، فالوضع في الحواضر غيره في البوادي، والوضع في حقبة تاريخية غيره في الحقبة التالية.. وهكذا.
كنت احتفظت في الفترة الأخيرة بصفحة عن ملابس العرب من كتاب رحلة نيبور وفريقه إلى اليمن وجزيرة العرب التي بدأت 1761م،
حينها كانت الدولة السعودية والدعوة الوهابية في طور التأسيس، إذ انعقد الحلف بين ابن سعود وابن عبد الوهاب عام 1744م، وظلت الدولة والدعوة ثلاثة عقود تقريباً محصورة في إقليم نجد.
لنقرأ كلام نيبور:
"وتغطي نساء الحجاز ومصر وجههن بوشاح صغير، لا نرى منه إلا العينين؛ وفي بعض مناطق اليمن يضعن على رأسهن نقاباً يغطي الوجه، عند خروجهن من المنزل.
وفي صنعاء وتعز ومخا، تغطي النساء وجههن بنسيج شفاف غالباً ما يكون مطرزاً بالذهب وتزين أصابعهن وأيديهن، وأحياناً أذانهنّ، وأنفهنّ، بالحلي، وتضع حول عنقهن عقوداً من اللؤلؤ المزيف، شأنهن في ذلك شأن نساء مصر وجبل سيناء.
وتطلي أظافر اليدين بالأحمر، والرجلين بالأصفر المائل للبني، وتستعملن لهذه الغاية، عشبة تسمى الحنّاء".
ليس الأمر هنا متعلق برأيي الشخصي،
فلو سُؤلت عنه لقلت أني لست مع النقاب وخصوصاً عند تحويله إلى مطلب ديني، مع احترامي لحق الأفراد في اختيار ملبسهم.
ما أردته فقط هو نفي الربط التاريخي بين الوهابية والنقاب والذي يوحي بوجود تلازم حتمي بينهما وهو تلازم لا وجود له،
وإن وجد فهو تلازم عمومي مرتبط بالدين وما يتفرع عنه من حركات ولا يقتصر على الوهابية دون غيرها