السياسة التعويضية.. أو السياسة في مكان آخر
…………………..
يبدو أن المأساة الفلسطينية تخلق نوعًا جديدًا من السياسة هي "السياسة التعويضية.
المواطن العربي العاجز عن ممارسة السياسة في بلده بسبب الأنظمة القمعية التي صادرت السياسة وألغتها يجد حلا بديلا عبر ممارسة السياسة في مكان آخر.
وهل هناك أفضل من قضية فلسطين !
المواطن العربي الذي ستسحله حكوماته لو خرج في مظاهرة من أجل الحرية أو الخبز أو الراتب في بلده يستطيع الخروج في مظاهرة للتضامن مع غزة.
مظاهرة آمنة تنظمها السلطة وتروج لها وتخلق عنده احساس الفعالية .
المواطن العاجز عن كتابة مقال صريح يفضح الفساد أو التعذيب أو النهب يستطيع شغل نفسه ليلا ونهارا بكتابة تحليلات ومطالبات ومساندات حول المقاومة والقضية المركزية.
لسانه مغلول فيما يتعلق بوضعه وبلده لكنه يستطيع تعويض ذلك بممارسة النقد في مكان آخر.
السفارات الاسرائيلية والقواعد العسكرية الغربية ملء البلاد العربية لكنه لا يستطيع الاقتراب منها ليعبر عن غضبه من قتل المدنيين، فما الحل؟
الحل اختيار هدف سهل: لنقاطع مكدونالدز وستاربكس في فروعها الوطنية.
صحيح أنها فروع وطنية ورزق آلاف العائلات لكنها تعطي السياسي التعويضي احساس القدرة والانتصار.
تفقد الحكومات المستبدة شرعيتها لعجزها عن توفير أبسط متطلبات مواطنيها ولفسادها الفاضح، لكنها تنقل شرعيتها الى السياسة التعويضية فتصبح تصريحاتها النارية ضد مصدر شرعية بلا إنجاز ولا رصيد.
تخلق السياسة التعويضية لدى المواطن المقهور والمهان والمستلب إحساسا بالكرامة والقدرة واستعادة الذات.
لكن لانها كرامة وهمية يتضخم عنده شعور "التفوق الأخلاقي ". يعيش داخل وهم "أنا أفضل منك لأني أدعم القضية، وبالتالي عليك ان تكون مثلي"!
يخلق هذا الاحساس جوا من النفاق العام.
فالكل يعرف النتيجة المأساوية والنكبة المحتومة بسبب مقامرات الميليشيات.
لكن من يمارسون السياسة التعويضية لا يريدون التخلي عن الوهم الذي يخفي عنهم واقع القهر والضعف والخنوع الذي يعيشه في بلده.
تشيع اللاعقلانية والعنتريات المتطرفة..
وتتراكم جثث الأبرياء في خلفية المشهد المصطنع.
……………….
نوفمبر 2023