تُعدُّ التعاملات اليومية جزءًا من حياتنا، خاصةً في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها. في الآونة الأخيرة، أصبحت تجربتي اليومية بجانب إحدى كافتيريات تعز، تعكس واقعًا مؤلمًا يعاني منه الكثيرون.
منذ بداية الحرب، أصبحت تلك اللحظات الصباحية التي أقضيها بجانب الكافتيريا، ليست مجرد استراحة، بل نافذة أراقب من خلالها حياة الآخرين وتحدياتهم.
في كل صباح، أجد نفسي بجوار مجموعة من الزملاء، ومن بينهم سائق دراجة نارية يتسم بأدبٍ ولباقة عندما يتحدث. يشتغل بصمت، يعود إلى المكان نفسه، وينتظر زبائنه. لكن في إحدى المرات، بينما كنت أغطي خبرًا عن نقابات المعلمين، تداخلت أحاديثنا. سألت زميلي الإعلامي القدير عبدالحميد المقطري عن المؤتمر الصحفي حول الأجور، وفجأة سمعت صوت السائق يتحدث بحرقة عن معاناته اليومية.
قال: "أي أجور ومرتبات تتحدثون عنها؟ لقد نسيت مع عائلتي وجبة الصباح، وأعمل طوال اليوم دون أن أستطيع توفير الغداء أو العشاء، ناهيك عن الإيجارات ومطالب الحياة." كانت كلماته كالأزيز في أذني، تذكرني بأن هناك من يكافح لتأمين لقمة العيش.
تلك الكلمات كانت بمثابة جرس إنذار لي. اكتشفت أن هذا السائق ليس مجرد عامل، بل هو مربٍ فاضل، وعائلته تعتمد عليه. ومع ذلك، يعيش في ظروف تزداد صعوبة يومًا بعد يوم. شعرت بالحزن، وابتعدت عنه دون تعليق، وكانت حرقة قلبي تعكس مدى قسوة الواقع.
تجربتي هذه تبرز أن الكرامة الإنسانية تتعرض للاختبار في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. نحن جميعًا نشارك في المعاناة، سواء كمعلمين أو عمال أو عائلات. ورغم التصريحات الحكومية عن إصلاح الأجور، فإنها تبدو عقيمة أمام الغلاء وجشع التجار. إن الأمل في غدٍ أفضل يظل موجودًا، لكن لا بد من عمل فعلي يضمن حقوق الجميع ويعزز من كرامتهم.