سخيٌّ هو تاريخ شعب الجنوب، فكيف به وهو يستعيد لحظةً مجيدةً من لحظاته العظيمة يوم عاد الآباء المؤسسون حاملين معهم الاستقلال الأول بعد أن أنجزت الحركة الوطنية الجسورة واحدةً من مهماتها، قبلها لم يكن الاستعمار وحده جاثمًا على الأرض، بل إنّ الوطن كان قبلها مُبعثرًا في 23 سلطنةً ومشيخةً. عاد الآباء يحملون وثيقةً وطنيةً وحدّت البلاد من المهرة إلى عدن، ذلك اليوم المجيد الخالد أبدًا في ذاكرة الأجيال هو من يجب أن يتمّ استدعاؤه مع كلّ 30 من نوفمبر، يأتي عابرًا على جيلٍ من الأجيال. وإليكم أنتم أيها الجيل، ما يستحقّ الكثير من التقدير والإجلال، فأنتم كما كان آباؤكم الأوائل، تُناضلون نضالًا عظيمًا من أجل أن تنالوا مجدًا كما ناله آباؤكم قبلكم.
قَدَرُ هذا الشعب الجنوبي أن يكون حاملًا لِعقيدة المعرفة التي بُذِرَت في باطن أرضه عبر العصور والأزمنة، مُنذ كان على هذه الأرض النبيّ العربيّ الأوّل هود - عليه السلام - وكُتِبَ الحرف الأوّل. كُنتم وسار أجدادكم، وها أنتم تسيرون، وسيأتي من بعدكم أبناؤكم وأحفادكم. هذا قَدَرُكم الذي كان، وكُنتم، وستَمضي عليه أجيالٌ من بعدكم، أنتم حملة المشاعل، خَصْمُكم دائمًا وأبدًا الرجعية وكلّ ما التحف بها من التخلّف. عبر الأزمنة، كان لا بُدّ وأن يكون لِلجنوبيّ دورٌ تقدّميّ، فكان لكم أن تكونوا الشوافع في مذهبكم الذي به كُنتم حاملين الدعوة المحمدية، سار بها الحضارم إلى الدنيا من شرقها لِغربها، يفتحون القلوب بها، ويُدخلون إلى الإسلام ملايين البشر بدون سيوف ولا دماء، دعوةُ صِدقٍ بِالكلمة والأمانة. تِلكُم هي مدرستكم الحضرمية الوسطية، ما عداها هي رُتوشٌ لطالما سقطت مع الزمن وانتهت، فَالأصلُ يبقى ذهبًا، وأنتم الذهب الذي لم ولن يصدأ.
جديرٌ بهذا الجيل أن يقف لِتحية نفسه على ما بذل في سنواتٍ مضت، حالِمًا بِاستقلالٍ ثانٍ يطرد به ما تبقى من الاحتلال اليمنيّ البغيض. التحيةُ لِهذا الجيل الذي جاء من تحت رُكام رماد حربٍ غادرةٍ شنّها اليمنيون البُغاة في 7 يوليو 1994. من المؤكد أن جيل اليوم لم يشعر بِمَرارة الهزيمة، وبوحشية الطعنات الغادرة التي ضَرَبَت الجسد الجنوبيّ آنذاك، ولذلك، فهذا الجيل دون غيره من الأجيال، نُحترم فيه أنّه يحمل القضية التي لم تمت، حتى يوم كان الظالمون المُحتلّون، ومن معهم من المُتأسلمين، يظنّون أن شعبًا بِهويّته قد مات وانتهى من الوجود. كُنتم أنتم، معشر الجيل، تقودون الأمّة لِخلاصها.
في عام 2015، تحررت عدن، وفي عام 2016، تحررت المكلا، مشهدان من الملاحم أنتم صنعتموها، وأنتم وحدكم من حدّد حلفاءنا اليوم، وأنتم وحدكم من تُحدّدون خياراتنا نحو استقلالنا. تطرّفُكم الوطنيّ فيه الكثير من ذلك التطرّف الذي كان عليه شيخان الحبشي ومحمد علي الجفري، ومن بعدهم الرئيس الأوّل قحطان الشعبيّ، وثُلّةُ الرجال المُؤمنين بِالوطن. ما يعنينا اليوم هو أنتم، لأنكم تجعلون بوصلةَ الجنوب لا تنحرفُ إلّا لِوجهة الاستقلال. شيءٌ مُبهرٌ عندكم، ومعكم في نَقدِكم الحادّ لِقيادتكم كلّما شعرتم بِشيءٍ من الخشية على وطنكم، مفهومٌ لن يعرفه غير الجنوبيين وحدهم، وهو امتيازٌ يزيدُ من الاطمئنان على أن الحاضنَ الشعبيّ لِلقضية الوطنية الجنوبية، كما كان في زمن الحراك السلميّ، هو بذات السخونة والحماسة، لا يرى في نهاية النفق المُظلم سوى فجر الاستقلال الثاني.
الثلاثون من نوفمبر، فيه وُلِدَ الاستقلال الأوّل، ومعه يسير شعبٌ إلى الاستقلال الثاني، رُغم كلّ التجويع والإفقار، وكلّ ما يقوم به الرجعيّون الجُدد لِوَضع العراقيل، فإنّ لا مجال لِغير الوصول إلى الاستحقاق الحتميّ. من الآباءِ المؤسّسين إلى الأبناءِ المُخلصين، رايةٌ لم تنكسر، وعقيدةٌ لم ولن تموت. الثلاثون من نوفمبر هو وعدٌ يتجدّد كلّ عام، بأنّ فجر الاستقلال الثاني قادمٌ لا محالة. الجنوبُ بِشعبه ووعيه وإرادته، سيظلّ حرًّا، وسيَكتبُ تاريخه بيده، كما فعل دائمًا.
المجد للجنوب والخلود والرحمة للشهداء
وكما حمل البريطاني عصاه ورحل مرغماً سيرحل اليمني مرغماً ومرغماً ومرغماً
#نوفمبر_مجيد_استقلالنا_يتجدد