مع تسارع وتيرة الأحداث المحيطة، بدأت بنفس الوتيرة تنتشر بعض الأصوات الداعية إلى التسامح والوفاق، وتناسي الماضي، والتسامي على الجراحات، والمطالبة بالمصالحة الوطنية، وتلك الكلمات فاتنة بديعة في مٌجملها، وساحرة رنانة عند سماعها، وعقلانية في مدلولاتها؛ ولكن بريق تلك المفردات سوف يزداد ألقًا عند أخذ كل الحقوق، وسيتعاظم عقلانية مدلولاتها عند تطبيق العدالة، وسيستقيم صحة مقاصدها عند تحقيق كافة الأهداف، وكل ذلك مرتبط باقتلاع بقايا الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة من الجذور.
كما أن التسامح لا يعني عدم تطبيق العدالة، والتصالح لا يرام منه ضياع دماء أبناء الشعب، وتناسي الماضي لا يُقصد به تكرار الأخطاء والتخلي عن الدروس المستفادة (سابقًا وحاليًا)، والعقلانية لا تدعو إلى استمرار الرعونة عبر تناسي سياقات الأحداث الإجرامية التاريخية والتهاون مع امتدادات أبعادها الحالية، والتسامي على الجراح لا يستلزم ترك الحقوق، والمصالحة الوطنية لا تعني بأي حال من الأحوال عدم تحقيق الأهداف المنشودة التي بُذلت من أجلها أغلى ما يملكه أبناء الشعب (دماؤهم).
وعند استقصاء خلفية تلك الأصوات المنادية بتلك المفردات الجذّابة في ظاهرها والمائعة في باطنها، ستجد أن معظمها أما من قبل السلالية الكهنوتية، أو من القفازات القذرة، أو من المتآمرين والمحرضين لسنوات طويلة، أو من المنتفعين، أو من المتفرجين والمُنظرين، أو من فئة التابعين الصاغرين التي جُل همها تقاسم الكعكة، أو من البعيدين الذين لم يكتووا بنيران ما حدث، أو ممن وصلوا إلى مرحلة عمرية متقدمة يعيشون خلالها حكمة المدينة الفاضلة ومتصالحين مع بشاعة وفظاعة كل ما حولهم دون النظر أو الاهتمام بـ مستقبل الأجيال القادمة!.
اكتب سطور هذا المقال وأدرك كليًا معنى كل حرف، ومقصد كل كلمة، ومدلول كل جملة، وليست كتابة لحظية انفعالية، بل صياغة مستوعبة للماضي، وتعابير مدركة للحاضر، ورؤية واعية كليًا لمتطلبات المستقبل، وقاعدتها الأساسية ناتجة من أن ذروة العقلانية وسنام التصالح وقمة التسامح هو أن يحيا أبناء الشعب، وتعيش أجيال المستقبل بعيدًا عن بقايا الدخلاء والشظايا من الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة، المُهلكة للإنسان والمُدمرة للأرض.
وللمقاربة، خذوا كل من ينادي أو يدعو لتلك المفردات الفضفاضة، وطبقوا عليهم بعض السطور أدناه لربع المدة الزمنية التي عاناها أبناء الشعب (ولا يزال)، ثم اسألوهم لاحقًا عن رأيهم بتلك المفردات ومعانيها ومدلولاتها؛ ولكن بعد أن يُقتل من أولادهم، ويُشرد إخوانهم، وتُنتهك حرماتهم، ويٌجرح أبناء عمومتهم، ويعتقل أقربائهم، ويٌعذب أقرانهم، وتٌفجر منازلهم، وتٌصادر ممتلكاتهم، وتُنهب أموالهم، ويُهجّر أهلهم، وتٌهان كرامة عوائلهم، وتنتهك حقوق أقاربهم، ويُجهل عنوة أبنائهم، ويذوقوا أوجاع ازدياد الأرامل والثكالى واليتامى في أسرتهم، ويروا بأعينهم تكفف نساء منطقتهم في الشوارع من الفقر والحاجة، ويضعوا بنفس موضع من ماتوا دوسًا تحت الأقدام من زحام التسابق على الصدقات من الفاقة والعوز، بعد كل ذلك أسالوهم أليس إحقاق الحقوق وتطبيق العدالة تسبق التسامح والتصالح؟!.
إضافة إلى كل ما سبق، لم يبذل أبناء المؤسسة العسكرية دمائهم الطاهرة الزكية لكي تنهال تلك المفردات المائعة على مقابرهم، ولم يشاركوا بجميع الحروب -السابقة والحالية- من أجل أن ينتهي المطاف بـ تقاسم الكعكة بين الأطراف والعصابة الإجرامية على حساب دمائهم وتضحياتهم؛ وإنما ناضلوا في الحروب الستة الأولى وفي الحروب المتعددة اللاحقة بهدف إسقاط مجرمي الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة واقتلاعها من جذورها، وشاركوا بأغلى ما يملكون بقصد الحفاظ على أهداف الجمهورية التي منها صون كرامة الشعب ومقدراته، وأي انحراف أو تنازل عن تلك الأهداف (التي قدموا أرواحهم لأجلها) يُعدّ استهانة بدمائهم واستهتار بـ نضالهم وتضحياتهم.
لذا، أي فردًا أو جماعة أو مكّون أو كتلة أو تيار أو حزب يتحدث عن التسامح والتصالح، دون أن يسبقهما بـ إحقاق الحقوق وتطبيق العدالة وتحقيق الأهداف، فهو غريم إضافي لأبناء الشعب وعدُوّ لهم، ويجب محاسبته. كما أنه لا يوجد تسامح مع مرتكبي الجرائم عن سبق الإصرار والترصد، ولا تصالح مع عصابة سلالية إجرامية مسيرتها التاريخية مليئة بالقبح ومكتظة بالبشاعة، ولا مبررات لكل من القفازات القذرة (القيادات العليا والمتوسطة، ومن قام بـ تحشيد أطفال القبائل اليمنية) لأنه لا يعمل مع المجرمين إلا مجرم بنفس خصائصهم وخصالهم!.
ختامًا، من أمن العقوبة أساء الأدب، ومن أَلِفَ خاتمة أرباع الحلول تغاضى عن نجاسة البدايات، ومن اعتاد نهايات التسامح والتصالح دون إحقاق الحقوق وتطبيق العدالة استسهل اقتراف الجرائم؛ ولو استشعر بقايا الدخلاء والشظايا من الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة بأن وراء أي جريمة ترتكبها سينالها الحساب العسير، ويطولها مآلات مكلفة وتبعات غليظة، لما تجرأت لعمل ذلك تاريخيًا ولما تكرار واستمر نفس النهج والمسار إلى يومنا!. لذا، روح التسامح وصفوة التصالح وركيزة الحقوق وجوهر العدالة تتمثل بأن يحيا أبناء الشعب (قرابة الأربعين مليون) وتعيش الأجيال القادمة دون وجود ثلة الدخلاء والشظايا من مجرمي الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة!.