في عالم تتعدد فيه الأنظمة السياسية، يمكننا أن نطرح سؤالاً جوهرياً: أيهما أفضل، الدولة الدينية أم الدولة العلمانية؟ للإجابة على هذا السؤال بطريقة عقلانية، يمكننا استعارة فكرة “رهان باسكال”، التي حاول من خلالها الفيلسوف الفرنسي الإجابة عن وجود الله بمنطق الاحتمالات.
لنطرح رهاناً مشابهاً، لكن عن النظم السياسية: الرهان العلماني مقابل الرهان الديني.
لنفترض أننا لا نعرف يقيناً أي النظام أكثر ملاءمة للإنسان والمجتمع. يبقى أمامنا خياران: إما أن نعيش في دولة علمانية أو في دولة دينية، سواء كانت إسلامية، مسيحية، أو يهودية. السؤال هنا: ما هي المكاسب والخسائر التي تنتظر كل فرد في كل من النظامين؟
أولاً: السيناريوهات في الدولة الدينية
في الدولة الدينية، يُفترض أن الدين يشكّل الأساس الرئيسي للتشريعات والسياسات. بناءً على وضعك الشخصي وعلاقتك بالدين الرسمي للدولة، تتعدد السيناريوهات الممكنة:
1. إذا كنت ملحداً وتعيش في دولة دينية: ستواجه قيوداً صارمة على حرياتك الشخصية والفكرية، وستتعرض لضغوط اجتماعية وربما قانونية. مكاسبك محدودة للغاية.
2. إذا كنت مؤمناً بدين مختلف عن دين الدولة: ستفتقر إلى حرية ممارسة عقيدتك، وستجد نفسك تحت ضغط ديني واجتماعي، مع مكاسب محدودة.
3. إذا كنت مؤمناً بنفس دين الدولة ولكن بمذهب مختلف: على الرغم من اشتراكك في الدين، فإن الاختلافات المذهبية ستؤدي إلى فقدان حريتك الدينية والسياسية. مكاسبك ستظل محدودة.
4. إذا كنت مؤمناً بنفس دين ومذهب الدولة: ستتمتع بحرية ممارسة شعائرك الدينية، ولكنك ستظل تحت نظام شمولي يقيد حرياتك السياسية والشخصية، ما يجعل مكاسبك غير مكتملة.
الخلاصة في الدولة الدينية:
حتى في أفضل السيناريوهات، فإن الدولة الدينية تفرض قيوداً على الحريات العامة والفردية. ومع طبيعتها الشمولية، يتعرض تقيد الحريات السياسية والشخصية لجميع مواطنيها.
من بين 4 سيناريوهات محتملة، تكون النتيجة النهائية أنك خاسر في 3 منها، باستثناء حالة واحدة توفر لك مكاسب جزئية ومشروطة.
ثانياً: السيناريوهات في الدولة العلمانية
في الدولة العلمانية، لا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية، وتُضمن الحريات للجميع بغض النظر عن الدين أو العقيدة. هنا، يمكننا النظر في السيناريوهات التالية:
1. إذا كنت ملحداً وتعيش في دولة علمانية ديمقراطية: ستتمتع بحرية الفكر والتعبير دون قيود دينية، كما ستحظى بحرياتك السياسية والشخصية.
2. إذا كنت مؤمناً بدين مختلف عن دين الأغلبية: ستمارس شعائرك الدينية بحرية دون تدخل من الدولة، وستبقى حرياتك السياسية والشخصية مصانة.
3. إذا كنت مؤمناً بدين الأغلبية ولكن بمذهب مختلف: ستحظى بحرية ممارسة دينك ومذهبك، إضافة إلى الحريات السياسية والشخصية.
4. إذا كنت مؤمناً بدين ومذهب الأغلبية: ستتمتع بحرية كاملة في ممارسة عقيدتك، إضافة إلى الحريات السياسية والشخصية التي يضمنها النظام العلماني.
في حال كانت الدولة العلمانية ديكتاتورية:
حتى في ظل ديكتاتورية علمانية، ستحتفظ بحرياتك الدينية والفردية، ولكنك ستُحرم من حرياتك السياسية، مما يجعل مكاسبك أقل بالمقارنة مع الديمقراطية العلمانية، لكنها تبقى أفضل من الدولة الدينية.
الخلاصة في الدولة العلمانية:
في الغالبية العظمى من الحالات، يوفر النظام العلماني ضمانات أكبر للحرية والمساواة. وحتى في حالة الديكتاتورية، تبقى مكاسبك الفردية والدينية محفوظة، وهو ما لا يتحقق في الدولة الدينية.
لذلك، لو كان لي حرية الاختيار، فإنني أفضّل العيش في دولة مدنية ديمقراطية، أو النضال من أجل تحقيقها في أي مكان أعيش فيه. فهذا النظام وحده يضمن للجميع - مؤمنين وملحدين، أغلبيات وأقليات - فرصاً متساوية لحياة كريمة وحريات مصونة.