صمم الرئيس الامريكي استجابته العسكرية تجاه الساحة اليمنية، بحيث تكون أكثر حزماً من سياسة "الاحتواء الدفاعي/ بايدن"، وبحيث تكون أقل اندفاعاً من حقبة "الحروب الوقائية/ بوش الإبن".
لقد اعتمد ترامب أسلوب "الردع الهجومي" الذي يوظف القوة الصلبة (الهجمات) والناعمة (العقوبات)، بصوره استباقية ومركزة؛ لإجبار الخصم على تغيير سلوكه، دون الحاجة إلى معركة صفرية بهدف إنهاء وجوده.
و غاية الهجوم الأمريكي هو تقويض قدرات الحوثيين (سواءً باعتبارهم تنظيم مسلح أو سلطة حاكمة أو حركة سياسية). وقد أفصحت حصيلة الغارات الجوية خلال الأيام الماضية عن بنك الأهداف العملياتي، والذي يمكن إجماله في ثلاثة أنماط:
1- إضعاف البنية التحتية العسكرية بسلسلة غارات دقيقة توزعت على نطاق جغرافي واسع؛ حيث تم استهداف مخازن للسلاح، ومواقع للقيادة والسيطرة، ومقرات تدريب وتحشييد، ومنظومة اتصالات عسكرية، ولوجستيات عسكرية ومراكز تصنيع حربي.
2- تهديد البنية التحتية المدنية المستخدمة في تمويل سلطتهم السياسية ومجهودهم الحربي، وقد بعثت واشنطن برسائل تحذيرية من خلال استهدافها لشركة النفط في صنعاء، ومحطة كهرباء في صعدة، كما أن الحديث الأمريكي عن استخدام عدد من المصانع ومخازن الأمم المتحدة وميناء الحديدة لأغراض عسكرية – وهو حديث دقيق بالمناسبة - قد يكون مقدمة لعمل أوسع.
3- التلويح بتصفية القيادات؛ وهو ما تجلى من خلال ضربات نوعية استهدفت حي الجراف بصنعاء، وعدداً من منازل القيادات في صعدة. وهذه العمليات هي بمثابة رسالة تحذيرية عن جدية ترامب في اعتماد سياسة قطع الرؤوس.
ومن المتوقع أن تعمل واشنطن خلال الفترة القادمة على تفعيل بنك أهدافها بوتيرة تصاعدية (كما وكيفا)؛ بناءً على طبيعة السلوك الحوثي المضاد.
وفي المحصلة يطمح ترامب إلى الضغط لانتزاع صفقة من إيران وفرض الردع على الحوثي.. وفي حال تعذر ذلك فإنه يطمح إلى محاكاة نموذج حزب الله بالاستناد إلى القوة الجوية والاستخباراتية، وهو نموذج ممكن التحقق نظرياً إلا أن مصاعبه العملية عديدة في اليمن.
وسوف تقود هذه المصاعب إلى طرح سؤال مزعج: ماذا لو استنفدت واشنطن بنك أهدافها (بسبب شحة المعلومات أو وعورة الطبيعة أو مرونة المليشيات)، دون أن تردع سلوك الحوثين، ودون أن تلين موقف إيران؟
حينها سيكون الصراع في اليمن قد بلغ فعلا نقطته الحرجة؛ وعلى الأغلب لن يكون ترامب متحمساً لمواصلة العمليات طويلاً مالم تثبت جدواها بتحقيق الأهداف. كما أنه لن يميل بسهولة إلى احتواء الحوثيين سياسيا (على غرار السعودية) والظهور كرئيس ضعيف تسهل هزيمته و ابتزازه.
و في حال وجد الرئيس الأمريكي نفسه على شفا دوامة استنزافية في اليمن، فإن ذلك قد يدفعه للذهاب خطوتين إلى الأمام، عوضاً عن العودة خطوة واحدة للوراء.
وبعبارة أدق سيواصل ترامب سياسة الضغط الأقصى بضراوة أكبر؛ إما عبر استهداف الأصول الجيوسياسية الإيرانية في اليمن وفي عموم المنطقة، أو بالانفتاح على دعم مناورة برية في اليمن دون تدخل أمريكي مباشر و عبر توفير دعم تسليحي وغطاء جوي للقوات العسكرية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي اليمني وتحديداً في منطقة الحديدة والساحل الغربي.
تفعيل الخطوة الأولى مرهون بمدى تدهور علاقة ترامب مع إيران، أما تفعيل الخطوة الثانية فمرهون بمدى تطور التنسيق بين ترامب وبين السعودية والإمارات.
ويبدو أن جماعة الحوثي تتجنب دفع ترامب سريعاً إلى خيارات أشد قساوة؛ لذا فقد اكتفت - حتى الآن - بالرد من خلال استهداف الأصول العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر بالإضافة الى عملياتها في العمق الإسرائيلي. وهذه العمليات لا تُحدِث أثراً استراتيجياً - بل إنها تفتقد في أحيان كثيرة إلى الجدوى التكتيكية.