كان يمكن للتقدم الميداني واستمرار المعركة وتحقيق مكاسب ميدانية من طرف الشرعية والكتل المنضوية داخلها ان يخفف من كل هذا الاحتقان وان يجعل اقتصاد الحرب وما يشمله من فساد وسوء توزيع الموارد وسوء إدارة وتراجع عن تقديم الخدمات أمراً قابلاً للتغاضي عنه طالما هناك وعد كبير يجري العمل على تحقيقه.
لكن جمود المعركة والتقهقر والجناح المهيض المنكسر أمام القوى الاقليمية والدولية سيفتح باب المحاسبة الشعبية ويقوض شرعية الحكومة ومقبولية افعالها ويهدم الثقة الضمنية والتخويل للتحدث والتحرك باسمها بأقسى ما يمكن إلى درجة ان يتحول ملف مكافحة الفساد وسيلة من وسائل تصفية الحسابات السياسية والجهوية والحزبية داخل صفوف الحكومة في الأفضل الحالات. ما لم يدفع اليأس الناس بقبول اسوأ الخيارات تحت وهم البديل أفضل وان كان تشرذماً او حوثياً سيما والحوثي لا يدخر جهدا في استغلالا الأمر.
ما نراه او نسمع عنه او نعيشه داخل الشرعية هو الوجه المكشوف لما يحدث من فساد -بموارد أكبر تكاد تصل إلى ثلاثة اضعاف - داخل صفوف الحوثيين إلا ان قدرة الحوثي على التعبئة وترويج التقدم الهائل في التصنيع او التطوير العسكري بالاضافة إلى اقحام اليمن واليمنيين في معارك وحسابات عالمية يخفف من حدة الأصوات الناقدة او يجعلها في خانة معادية.
ناهيك عن القبضة الأمنية الشديدة التي اصبح معها كل صوت ناقد في مهب الريح وعرضة لسلسة لانهائية من أشكال الانتهاكات التي لم تعرفها الحياة السياسية اليمنية او على الاقل لم تشهدها بهذه الكثافة والحدة.
أزمة الشرعية الحقيقية والتي ستجعلها تتآكل من داخلها هي عدم انجاز وعد استعادة مؤسسات الدولة والقضاء على الانقلاب.
وهذا الفشل يظهر بصورة مجسمة في هذه اللحظة سيما مع تحولات شهدتها سوريا والسودان وإن كان البلدين ما يزالان مقبلين على افاق مجهولة وتحديات جسيمة لكن الخطوة الأهم التي تشفع التضحيات البشرية والمادية تحققت في نظر الصابرين والمساندين.
يمكن معالجة الأمر إما بانجاز سلام يقود إلى تحسين معيشة الناس ووقف كل هذه المعاناة ورسم مسار لحياة اليمنيين عوض كل هذا الغموض والتيه أو استكمال وعد استعادة مؤسسات الدولة.
الفساد مشكلة حقيقية لكنه أبشع عندما يرتبط بخنوع وعجز أمام تحديات وجودية تنال من كيان الأمة.
لانه لا يقيد المنخرطين فيه فقط انما يعوق جموع الشعب امام تحقيق هدف الخلاص واجتراح البدائل وتجميع أوراق الضغط وتحسين شروط التفاوض والتحرك.
كانت السنوات الخمس الأولى أكثر فسادا من الآن في ظل غياب تام لمؤسسات الدولة وامكانية التعقب والتتبع لكن الانخراط في المعركة سمح بطمر كل موبقات تلك الفترة الفترة ماليا وإدارياً.
الشرعية الان مكشوفة على نحو غير مسبوق وأداؤها تحت مجهر تقييم تقديم الخدمات وحسن ادارة الموارد بالإضافة إلى المقارنة مع دول وسياقات مماثلة عربية.
مصطفى ناجي
من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك