آخر تحديث :الثلاثاء-01 أبريل 2025-08:29م

‏عيد المختطفين وراء القضبان ..حين يصبح الفرح جريمة

الإثنين - 31 مارس 2025 - الساعة 02:11 ص

عبدالخالق عمران
بقلم: عبدالخالق عمران
- ارشيف الكاتب


في زنازين الإرهابيين الحوثيين يتحول العيد إلى كابوس والفرح إلى جريمة تستوجب العقاب. هنا لا تكبيرات ولا تهاني بل أصوات السياط وصرخات المختطفين. مع اقتراب العيد ويزداد التنكيل وكأن السجانون يستشيطون غضباً من فكرة أن يشعر أحدهم بلحظة فرح. أي محاولة للتمسك بالحياة تُقابل بالقمع وكل نظرة عبر نافذة ضيقة تُعد تمردًا يعاقب عليه بأبشع الطرق.

في أحد الأعياد كنا في زنزانة جماعية بدلًا من الانفرادية وكان الزميل الصحفي توفيق المنصوري يحاول سرقة لحظة من الحياة خارج أسوار سجن عبدالقادر المرتضى بمعسكر الأمن المركزي بصنعاء. صعد إلى النافذة "نافذة صغيرة جداً وعليها عدة طبقات من شبك حديدي غليض وقريبة من السقف" يريد أن يرى العيد لكن مجرد النظر إلى الخارج كان جريمة تستوجب القتل. جاءه أحد الجلادين وهو "أبو شهاب"، شقيق المرتضى، بعد أن رآه من كاميرا المراقبة بوجه متجهم، وقال له بلهجة تحمل وعيداً لا يحتمل التأويل: "إن عبدالقادر المرتضى أمر بإطلاق الرصاص عليك إن كررت الأمر وصعدت النافذة مرة أخرى". كانت رسالة واضحة: ممنوع عليك حتى أن ترى النور، حتى أن تتخيل أنك ما زلت إنساناً، حتى أن تحلم بالعيد.


في كل بقاع الأرض يأتي العيد كنسمة رحمة يحمل معه البهجة يوقظ في القلوب نبض الفرح يلمّ الشمل ويُنسي الأحزان. لكنه في سجون ميليشيا الحوثي الإرهابية يتحول إلى لعنة إلى كابوس لا ينتهي إلى جريمة يُعاقَب عليها المختطفون بكل أشكال القهر والتنكيل.


فرمضان في سجون الحوثي لم يكن شهر الرحمة والمغفرة بل موسماً للقمع والتنكيل تضاعف فيه العقوبات ويشتد التعذيب بشكل تصاعدي وتتحول ليالي القيام إلى ليالي من الآلام والحرمان. كان المختطفون يعانون من إقامة شعائرهم ومن يتجرأ على رفع يديه بالدعاء على الظلم والظلمة كان يواجه بالجلد أو الحرمان من الطعام والعزل في زنازين انفرادية. وجبات الإفطار والسحور في سجون الإرهابيين الحوثيين كانت أقرب إلى الإهانة بالكاد تسدّ رمق الجوع، بينما كانت الزنازين تضيق عليهم أكثر وكأن الحوثيين يريدون أن يجعلوا من هذا الشهر المبارك ساحة جديدة لكسر أرواح المختطفين.


لكن العذاب الأليم في رمضان لم يكن سوى تمهيد لجحيم أكبر فمع اقتراب العيد كان القهر يبلغ ذروته كأنما يريد الجلادون الحوثيون أن يعاقبوا المختطفين على مجرد التفكير بالفرح. كانت ليلة العيد أقسى ليلة حيث يُنفّذ السجانون حملات تعذيب جماعية يتفننون في إذلال المختطفين وإخضاعهم وكأنهم يريدون أن يحطموا فيهم أي أمل بالفرج أو التحرر. وفي يوم العيد كان الجحيم يبلغ منتهاه ويتحول السجن إلى مسلخ مفتوح يتسابق فيه المجرمون لإفراغ حقدهم على الأجساد المنهكة وكأنهم ينتقمون من المختطفين لأنهم ما زالوا على قيد الحياة. لقد حدث معنا ذلك مرات كثيرة ولا زلت أتذكر ليلة التعذيب في سجن الخيواني على يد المجرمان منصور الغربي ويحيى سريع ونحن في زنازين انفرادية في البدورم أو ما تسمى "الضغاطات الأسوأ" (شمالي داخلي).


وهذا السجن أيضاً وفي إحدى السنوات أجبرت الميليشيات المختطفين في سجن الأمن السياسي سابقاً (الأمن والمخابرات حاليًا) على الصيام وفق تقويمهم الشيعي فتم تأخير إعلان عيد الفطر ومخالفة المسلمين. وعندما حاولنا نحن وبعض المختطفين الاحتفال بالعيد وفق المواعيد الشرعية تم تعذيبنا وحرماننا من الطعام والماء حتى مغرب ذلك اليوم كعقاب جماعي.


وفي العيد يصل موسم القهر إلى قمة جحيميته في كافة سجون ميليشيا الحوثي الإرهابية. ففي هذا اليوم يتحول السجانون إلى وحوش مسعورة وكأنهم يستشيطون غضباً من مجرد فكرة أن يعيش المختطف لحظة فرح ولو بسيطة. فهم لا يعترفون بوجود عيد في الإسلام إلا عيد يوم الولاية كما قال المجرم أبو شهاب المرتضى وهو يوم الخرافة الدينية والسياسية التي تقوم عليها الجماعة الإرهابية.


لقد كان الإرهابي عبدالقادر المرتضى يُطلق ذراعه القذرة شقيقة "أبو شهاب"، وكان السفاح عبدالحكيم الخيواني يعتمد على مسعوره الآخر "السجين السابق يحيى سريع الحشيشي" وهي شخصيات مريضة بعقد النقص دنيئة تتلذذ بإذلال السجناء وتعاقبهم بوحشية خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية كالجُمع والزيارات ورمضان والأعياد.

في ليلة العيد ونهاره يتوزع هؤلاء المسعورون وبإشراف من المرتضى والخيواني في الطواريد والسياجات كما يطلقون عليها ويقتحمون بعض الزنازين ويصرخون ويوزعون الشتائم وينهالون بالضرب على بعض المختطفين بلا سبب سوى تفريغ حقدهم الأسود وإرهاب الجميع. أي مظهر للعيد كان كفيلاً بأن يتحول صاحبه إلى ضحية سواء كان ذلك بابتسامة خاطفة أو نشيد أو أغنية أو حتى ترديد بيت من الشعر أو تبادل تهنئة همساً بين السجناء في زنازين أخرى أو حتى نظرة عبر نافذة الزنزانة نحو العالم الخارجي حيث الناس يحتفلون بحرية.


ميليشيا الحوثي الأرهابية لم تكتفي بحرمان المختطف من حريته ومن دفء عائلته بل كان جلاديها في سجن الخيواني الأمن والمخابرات الذي كان يسمح فيه أحياناً بدخول بعض (الزيارات), يستكثرون عليه حتى الفرح. كان عبدالحكيم الخيواني وعبدالقادر الشامي وعبدالواسع ابو طالب وابو الحسن وابو كاظم ويحيى سريع الحشيشي، بشراستهم المسعورة لم يكونوا مجرد جلادين بل كانوا سراقًا للبهجة لصوصاً ينهبون حتى فتات الفرح. كانوا يطلبون من الاسر ان توفر للمختطفين بعض الاحتياجات للعيد لكنهم كانوا يخدعونها ولايسمحون بدخولها الينا ويقومون بسرقة ما تجود به العائلات على أبنائها في الزيارات من الأموال البسيطة ومن الحلوى القليلة ومن فتات الأمل الذي تحاول الأمهات إدخاله إلى قلوب أبنائهن المخطوفين خلف الأسوار. وحدث معنا أن تم سرقة زيارتنا العيدية أكثر من مرة ويتعرض كل من يطالبهم للعقاب ويعزل في زنازين انفرادية. لكن الأسوأ أنهم لم يكونوا يسرقون الأشياء فقط بل يسرقون الفرحة نفسها ويحيلونها إلى جحيم مضاعف.


وفي سجن المجرمين المرتضى والخيواني أيضاً، لم تكن وجبة غداء العيد سوى امتداد للمهانة. كانت الوجبة عبارة عن قليل من الأرز توصع عليه قطعة صغيرة من اللحم الفاسد يقتسمها عشرة سجناء تُصرف في أول العيد فقط، تُترك لساعات حتى تبرد ثم تُوزع على السجناء كأنها صدقة مذلة. كان الهدف واضحاً قتل أي إحساس بأن اليوم مختلف بأن هناك مناسبة تستحق الاحتفال. لكن الأسوأ لم يكن الطعام بل الطريقة التي كان يتم بها توزيعه. كان السجانون يتعمدون ترك وعاء اللحم مكشوفاً أمام الزنازين حتى تنتشر رائحته في المكان تثير جوع السجناء ثم يُحرمون منه لساعات. كنوع من التعذيب النفسي وعندما يُوزع أخيراً يكون قد فقد جودته ومذاقه تماماً كما فقد العيد معناه في تلك الزنازين الحوثية البائسة.


لم يكن الطعام السيئ في يوم العيد مجرد وسيلة لإذلال المختطفين، بل كان أيضاً سلاحاً خفياً لتعذيبهم ببطء. من لم يتعرض للتعذيب والضرب في العيد كان نصيبه المرض إذ كانت الوجبات الملوثة والمخزنة في ظروف سيئة تصيبهم بعسر الهضم وأمراض المعدة.

لا زلت أتذكر في سجن المرتضى المرة الوحيدة التي وزعوا على المختطفين صباح يوم العيد وحبة الإفطار عبارة عن قطعة من الجبن المثلث كنوع من "التغيير"، بدلًا من العدس والفول المعفن لكن هذا القطعة الجبن لم تكن سوى مصيدة جديدة. كانت منتهية الصلاحية متحجرة تفوح منها رائحة العفن أصابت كل من تناولها بأمراض معوية حادة ليقضي العيد بين الآلام والمعاناة في تأكيد واضح أن هذا اليوم لم يكن إلا امتداداً لجحيم لا ينتهي.

لقد كنت أنا وزملائي توفيق المنصوري وحارث حميد وأكرم الوليدي ممن تعرضوا لأشد أنواع العذاب حيث كنا نعيش العيد تحت وابل من السياط والتعذيب كأنهم يريدون تحطيم كل أثر للحياة في داخلنا.


في الخارج يستيقظ الناس صبيحة العيد على تكبيرات الفرح يهرعون إلى مصلياتهم ويتعانقون ويوزعون الحلوى ويملأون البيوت سعادة. أما في سجون الحوثي فالعيد ليس يوماً للخروج إلى المصلى، بل يومٌ تُنتهك فيه أقدس اللحظات. كان المختطفون يُجبرون على الاستماع لخطباء من الحوثيين يلقون خطباً مشوهة يحولون فيها معاني الإسلام إلى شعارات طائفية ويستبدلون رسالة الرحمة برسائل الموت والكراهية. وأي دعاء للحرية كان يُواجه بالقمع وأي محاولة لتكبيرات العيد كانت تثير جنون السجانين.


في كل عيد يجتمع الناس حول موائد عامرة يلتفون حول عائلاتهم، يتبادلون الهدايا والتهاني بينما هناك في سجون الحوثي يُضرب المختطفون ويُعذّبون وتنزف دموعهم بصمت ويُحرمون حتى من تبادل التهاني.

فهل آن الأوان أن ينتهي هذا العذاب أن نطالب بالحرية لكل مختطف وبالعدالة لكل معذَّب وبمحاسبة كل مجرم حوّل الفرح إلى مأساة.