يخيّل لي أننا ما زلنا نخلط بين الثورة/الانقلاب، وبين استيلاء جماعة أيديولوجية مسلّحة (ميليشيات ما دون الدولة) على السلطة.
وبسبب هذا الخلط، نعجز عن فهم عقلية جماعات ما دون الدولة، مثل الحوثيين وهيئة تحرير الشام وحماس.
الانقلاب تنفذه جماعة من داخل الدولة (ضباط، حزبيون، أو قادة أحزاب) أو حزب/ حركة اجتماعية معارضة تهدف للسيطرة على الدولة. وعندما ينجح الانقلاب، يعملون من داخل الدولة، بمنطق الدولة، ومن خلال مؤسسات الدولة. ولهذا السبب، يقوم قادة الانقلاب أو الثورة بتذويب تنظيمهم داخل مؤسسات الدولة.
أما ميلشيات ما دون الدولة Armed non-state actors ، فتأتي إلى السلطة جاهزة بتنظيمها القيادي والعسكري وأيديولوجيتها الخاصة ومواردها المالية ونطاق سيطرتها الجغرافي. ولأنها أكبر من ميليشيا، وأصغر من طائفة، وأقل من دولة، فإنها تظل تحمل شعور معاداة الدولة وتسعى لتذويب الدولة ومؤسساتها داخل هيكلها التنظيمي. وتظل تعمل خارج الدولة وضد الدولة حتى وهي مسيطرة على مؤسساتها.
الفرق الثاني هو أن الانقلاب/الثورة يبني شرعيته على تقديم الخدمات وكسب ولاء القاعدة الشعبية، فتراه يهتم بالبنية التحتية، والمرتبات، والخدمات. أما جماعات ما دون الدولة، فترى أن شرعيتها داخلية، مستمدة من ذاتها وعنفها. وهي تنظر إلى القاعدة الشعبية كمورد للمال والضرائب، وكمجال لتجنيد المقاتلين. ولهذا امتنع الحوثيون، وهيئة تحرير الشام، وحماس عن دفع المرتبات وتقديم الخدمات للناس ما إن وصلوا إلى السلطة، وطوّروا جهاز جمع ضرائب وإتاوات معقّدًا جدًا لامتصاص ما تبقّى في جيب الفقير.
الفارق كبير بين انقلاب/ثورة، وبين ميليشيا تقوم بالسطو المسلح على الدولة واختطاف المجتمع. فالثورة/الانقلاب قد تنتهي الى نظام يحكم بالعنف في أسوأ الحالات، أما حكم جماعات ما دون الدولة فيقود الى الحروب الاهلية والإبادة وطوفان الفقر والجوع.