الوضع إستثنائي جداً في منطقة حبلى بالمتغيرات ، وحسابات الحقل لايُعرف إن كانت ستطابق البيدر ، أم ستطرح من النتائج ماهو خارج السيطرة ومتجاوزة الأهداف المحددة سلفاً.
زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران هي الأخرى إستثنائية وفوق العادة، بتوقيتها وبمستوى الزائر في سُلّم الهيكلية القيادية ، حيث هي الأعلى في هرم قيادة المملكة ، وإن كان موضوعها غير المعلن يتخطى البروتوكول التقليدي، وصياغة الإعلام الرسمي للبلدين ، حول تمتين العلاقات الثنائية وبحث وتعزير العلاقات المشتركة.
الزيارة غير المبرمجة سلفاً بطابعها المفاجئ، هي بدون شك لم تبح بتفاصيلها ،ولايبدو أنها ستفعل ، وجميع الملفات ستُدار بقدر كبير من التكتم ، ومع ذلك فإن عملية الربط بينها والحراك المتصاعد في المنطقة، يوحي بمحاولة دخول السعودية على خط حامل الرسائل الأمريكية للقيادة الإيرانية، والتأكيد على عزم إدارة ترامب عدم ترك بحث ملف النووي الإيراني، مفتوحاً على مارثون تفاوضي ينتهي بإمتلاك طهران سلاح الردع الممنوع أمريكياً إسرائيليا والمهاب سعودياً ، وأن الخيار مقيد بسقف زمني يفتح بعدها على قصف إيران بلا رحمة، يصبح معها تدمير الحوثي مجرد بروفة مصغرة بلا معنى .
زيارة وزير الدفاع السعودي إلى جانب نقل رسالة الفرصة الأخيرة ، فإنها ستعيد التذكير بإتفاق بكين في مارس 2023، الناظم للعلاقات بين الرياض وطهران ، حيث ستقدم المملكة نفسها كطرف محايد حال إندلاع الحرب ، وفي رسم دورها في ملف الصراع اليمني ، كطرف غير معني -ظاهرياً-بالتداعيات الراهنة وإحتمالات تدحرج الأوضاع نحو حرب برية، وإن كانت شريكاً بالعلن أو من خلف ستار السرية.
الزيارة مزدوجة الأبعاد ، هي قناة إمريكية ثالثة ، وهي حماية مسبقة لمصالح الرياض ،وتخفيف تداعيات الحرب الإقليمية على وضعها الداخلي ، وهي محاولة الإدعاء بالنأي بالنفس عن نتائج مثل هكذا حرب ، وإن كانت لا تستطيع أن تقفز على المطلوب منها أمريكياً: أما بالإنخراط المباشر أو بالدعم المالي واللوجستي، لما يحدث في اليمن وسيحدث لإيران .
لايهم ماسيقوله وزير الدفاع للإعلام من حديث مموه عام فضفاض ، فالأدوار مرسومة بدقة ،حيث السعودية طرفاً ولاعباً رئيساً في مجريات الأحداث ، ولها من تمخضاتها المفتوحة على كل الإحتمالات، ومن شظاياها نصيب.
---------------------------------------------------------------------
في كل تغيير أو مشروع تغيير يبرز سؤال الممنوعات، ماذا بعد الإطاحة وماذا عن البديل؟.
من دون شك إن لا عملية برية ولا تغيير للتوازنات في اليمن ، ولا شروع في تنفيذ مخطط عسكري لإقتلاع الحوثي ، مالم تكن هناك مصفوفة تفاهمات مسبقة ، تجيب عن سؤال حجر الزاوية : طبيعة النظام السياسي البديل ، تقريب وجهات النظر ، صياغة تصورات مجمع عليها، لمرحلة تؤسس لنظام لايسقط في لجة الفوضى ، ويرمي بظلاله على دول الجوار حيث كبريات المصالح الدولية.
صحيح إن قرارات اللاعب المحلي منقوصة السيادة ، ومع ذلك وصول القوات الجنوبية إلى مرحلة القيام بمهمات القوة الطليعية بمعية الحراس في التغيير القادم على مستوى كل اليمن ، تزيح الستار عن حقيقة أن الوصول إلى هذه النقطة المتقدمة ،لابد وأن تكون نتاجاً لتسوية ملعب السياسة، وتقديم التطمينات والإجابة على موضوع هو بالنسبة للحامل السياسي لهذه القوات -الإنتقالي -، بمثابة عقدة المنشار ، فمن دون تظهير صورة وشكل الحقوق المعطى للجنوب ، تصبح شراكة هذه القوات محل شك إن لم يكن إستحالة.
مانريد أن نذهب إليه ، التوكيد على أن شوطاً كبيراً قد قُطع بضغط الخارج ، لردم الفجوات وتقريب وجهات النظر وتكثير نقاط تقاطع فرقاء السياسة ، وإن القضايا محل الإحتقان وربما الصراع ،قد جرت تسويتها بعيداً عن القوة والغلبة ،وإعادة إنتاج ذات قوى ماقبل إنقلاب الحوثي ومابعده ، التي تتعاطى بعقلية الفيد وغنائم الحرب، والإستئثار بالسلطة والثروة.
نحن أمام مشهدية جديدة ليس بحسم الصراع لغير صالح الحوثي وحسب ،وهي مسألة مفروغ منها ، بل بخطاب تشاركي أقل عدائية ،ذات طابع حواري ، يفكك التناقضات يقرب وجهات النظر ويصيغ مشروع الدولة القادمة، وطابعها الذي قطعاً لن يكون أحادياً إستبدادياً، بل ضامناً لحقوق الشركاء في النصر القادم ، يجفف تربة الصدام ويغلق أبواب الصراع إلى غير رجعة ويضمن الحقوق.
حرب برية قادمة مسبوقة بتفاهمات سياسية، حول ملء الفراغ، وجبهات موحدة الأداء وبندقية واحدة، هذا هو شكل القادم.