عبدالملك الحوثي يتكلم كثيرًا.
اليوم فعلها لمدة ساعة وثلاثة وثلاثين دقيقة.
قال كل شيء… فلم يقل شيئًا.
تحدث عن فلسطين، لبنان، إسرائيل، أمريكا، الشيطان، وبقي فقط أن يُخبرنا عن الطوفان.
لكن شيئًا لم يتحرك، لا في الوعي، ولا على الأرض.
صوته يهبط بثقل، كأنه يعتذر من الكلمات لأنها خرجت.
غنّة طويلة، ونبرة واثقة من نفسها، كأن الصمت لا يليق به، وكأن الإنصات فرض، ولو كان الكلام بلا جدوى.
في الوقت الذي كانت فيه صنعاء تحت القصف،
كان الرجل يشرح لنا من كهف مرّان أن أمريكا تدعم إسرائيل.
يا لها من مفاجأة.
قال إن ترامب أشاد بقدرات الحوثيين الصاروخية.
تصوّروا ترامب… في المكتب البيضاوي، يراجع تقارير من صعدة، ويبتسم بدهشة.
ربما كان ينوي إرسال بعثة أميركية لتعلّم “الهندسة الإيمانية”.
ما قيل في هذا الخطاب قيل من قبل، وسيُقال مرة أخرى، لكن بأسلوب أقل بلادة.
الفرق الوحيد: أن هذه النسخة استُهلك فيها وقت، أكثر مما يستحقه المعنى.
ابن عمّه، محمد علي الحوثي، نشر الخطاب بفخر.
ربما ظنّ أن التسجيل يُحرّك الجبهات.
في الحقيقة، يصلح فقط لغرفة مغلقة، وعقوبة سمعية مؤجلة.
المقاومة لا تحتاج كل هذا الكلام.
بل تحتاج من يصمت حين يجب، ويتكلم حين لا بد.
أما عبدالملك، فكلما تكلم… انسحب المعنى،
وكلما رفع صوته… بدا الصمت أذكى.
خطبه لا تُلهم، لا تُربك، لا تُزعج.
هي فقط تمرّ… كضوضاء لا يعرف المرء إن كانت نباحًا أم نشيدًا قديمًا فقد وزنه.
ولمن يريد أن يُهدي خصمه مادة تعذيب ناعمة،
فليرسل له نسخة من آخر خطاب.
فهو لا يُسقط طائرة،
لكنّه يُسقط أعصابك… واحدةً تلو الأخرى.
ولم يعلم أن الصمت وحده، في حضرته، كان فرضًا.
#قريبا_يا_صنعاء