وقعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مأزق حقيقي، فيما يخص التعامل مع مليشيا الحوثي، فبعد أكثر من عامين من إزالتها من قوائم الإرهاب وهو القرار الذي أثار استغرابا دوليا آنذاك، قالت إنها تفكر من جديد في إعادة تصنيفها.
ووفق خبراء يمنيين فإن إدارة الرئيس الأمريكي تدرك أنها أخطأت في التعاطي مع الحوثيين إلا أنها تخشى الانتقادات وإثبات صحة قرارات المنافس البارز بالانتخابات المقبلة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، ولذلك لم تأخذ القرار مباشرة ومن ثم لوحت بإمكانية إعادة تصنيف الحوثي منظمة إرهابية في محاولة لتهديد المليشيات بإطلاق سراح السفينة التي تمت قرصنتها قبل يومين.
وأكد المحللون أن هجمات الحوثي البحرية وقبلها العابرة للحدود باتجاه إسرائيل، وضعت الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي، حيث إنها ملزمة أمام المجتمع الدولي بلجم إرهاب الحوثي، وإعادة الجماعة إلى لائحة الإرهاب التي أخرجتها منه بداية فترة ولاية بايدن وفي الوقت نفسه.
وأعاد اختطاف الحوثيين سفينة تجارية في البحر الأحمر مؤخرا، مجددا إلى الواجهة قرصنة الحوثي وهجماته التي وصلت منذ عام 2016 - 2023 إلى أكثر من 35 عملا إرهابيا ضد سفن الشحن في البحر الأحمر وبحر العرب.
وبحسب الخبراء فإن "قرصنة السفينة حملت رسائل ابتزاز صريحة للعالم من قبل دولة إقليمية نافذة تقف خلف مليشيات الحوثي التي تريد إبقاء اليمن تهديدا وجوديا على مصالح العالم والمصالح الإقليمية واتخاذها ساحة مواجهة للعب دور تخريبي كبير".
ويرى الخبراء أن "تصاعد العنف الحوثي، يؤكد أن قرار إدارة بايدن بإزالة الحوثيين من لائحة المنظمات الإرهابية، كان قرارا خاطئا، خصوصا أن الجماعة لم تقدم طيلة السنوات الماضية ما يبرهن على أنها جنحت للسلم".
ووفقا لرئيس مركز جهود للدراسات في اليمن عبدالستار الشميري فإن "أعمال الحوثيين على إسرائيل وقرصنة أو مهاجمة السفن في البحر الأحمر قد تجبر واشنطن بالفعل على إعادة تصنيفها كمنظمة إرهابية".
وأضاف الشميري، أن" ذلك التغيير الأمريكي وتصنيف المليشيات الحوثية جماعة إرهابية، لن يغير من المشهد اليمني بصورة كبيرة".
وأشار إلى أنه "قد يعمل تصنيف الحوثي منظمة إرهابية على إيضاح رؤية تحالف دعم الشرعية التي كانت ترفضها أمريكا وتغير طريقة تعاطيها مع مليشيات الحوثي".
وأشار الباحث السياسي إلى أن "الحرب في اليمن قد وصلت مرحلة مستعصية على الحل والحسم العسكري أو السياسي، حيث إن هناك حالة إخفاق في المبادرات المتوالية في إقناع إيران الداعم للحوثيين بأي تنازلات في الملف اليمني".
وبحسب الشميري، فإن "هناك توقعات عديدة في الوضع باليمن بعد محاولة هجمات المليشيات على إسرائيل، أبرزها، أننا قادمون على جولات جديدة من الحرب، لكنها قد تكون أقل كلفة، ومتقطعة، تأخذ فترات من السكون الطويل ثم تعود".
من جهته، قال الخبير العسكري اليمني العقيد محسن ناجي، إن "التهديدات الحوثية والهجمات على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، لا تعدو عن كونها تدخلا ومجرد بروباغندا إعلامية وسياسية وتجليات تجسد أن مليشيات إحدى الأذرع العسكرية لإيران كون ذلك يتم بإيعاز إيراني".
وأضاف ناجي أن "الضربات الصاروخية التي ادعى الحوثيون أنهم استهدفوا بها إسرائيل وكذا قرصنة وتهديد السفن لا تمثل شيئا ولن تغير بأي حال من الأحوال من "معادلة الحرب العدوانية الفاشية على الشعب الفلسطيني".
وأكد أن "ما تريده مليشيات الحوثي من تلك الهجمات المزعومة التي وجهتها صوب إسرائيل التي تبعد عن اليمن حوالي 2200 كيلومتر وصوب السفن يستهدف "حرف أنظار الناس عن الوضع الداخلي المأساوي الذي يعاني منه المواطن اليمني في المناطق التي تقع تحت سيطرتها".
كما أنها "تريد أن تسوق نفسها والظهور بأنها أضحت رقما صعبا ليس في المعادلة السياسية اليمنية بل في المعادلة الإقليمية وإن إلحاق الهزيمة العسكرية بها بات من الماضي"، وفقا للخبير العسكري.
وبحسب ناجي فإنه "وفقا للمعطيات السياسية الراهنة فإنه من المستبعد على الأقل في المدى المنظور أن تقدم أمريكا على إعادة وضع الحوثيين ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية خشية أن تؤثر تلك الخطوة على مسيرة السلام الذي تقود دفته السعودية بدعم وموافقة أمريكية التي ترى أن الحرب في اليمن قد استنفدت دورها ووظيفتها التي لم تعد مجدية".
أما "إيران في الوقت الراهن فلا تريد الدخول بمواجهة عسكرية مع أمريكا التي حشدت أساطيلها العسكرية، من أجل ردع إيران ومنعها ومنع أذرعها العسكرية المنتشرة في العديد من الدول العربية من الدخول في مواجهة مع إسرائيل التي تحاصر غزة منذ أكثر من شهر"، وفق ناجي.
في السياق، أكد الخبير القانوني اليمني مختار الوافي، أن "هجمات الحوثي على إسرائيل وضد السفن تأتي في إطار سياسي وإعلامي؛ وذلك لإظهار قدرات إيران في المنطقة والترويج لذلك، وبالتالي وهو ما سيجعل إيران ذات قوة، وأنها تهدد مصالح أمريكا في المنطقة".
وقال الخبير القانوني، أن "تلك الهجمات غير مؤثرة على إسرائيل، لصعوبة الوصول إليها وبعدها الجغرافي"، منوهاً أن "ذلك قد يؤدي إلى تخوف أمريكي من أن تتأثر سفنها المارة عبر مضيق باب المندب، حيث إنهم في الوقت الحالي لا يرغبون بفتح أي صراع مع المليشيات الحوثية".
وأشار الوافي إلى "أن تغيير أمريكا لموقفها تجاه مليشيات الحوثي وإعادة تصنيفها كجماعة إرهابية، مرهون بأمور سياسية وواقعية على حلفاء أمريكا في المنطقة، وفي حال تحققت بالإمكان أن يعاد إدراجها في قوائم الإرهاب".
ما قاله الوافي أتى عليه رئيس صحيفة الثوري للحزب الاشتراكي اليمني سابقا خالد سلمان، لافتا إلى أن "القرصنة الحوثية العلنية في المياه والممرات الدولية يدفع الشركات العالمية إلى رفع التأمين عن السفن التجارية المحملة بالقمح والزيت وحليب الأطفال القادمة إلى اليمن واعتبار البحر الأحمر منطقة عالية الخطورة".
وأشار سلمان إلى أن "خطف مليشيات الحوثي سفينة بلا إسرائيليين وتهديدها بالمزيد، يحقق لزعيم المليشيات عند الغوغاء من أنصاره بطولة زائفة، وفرض على الشعب دفع فواتير طيشه حرباً وجوعاً مضافاً".
لم تكن قرصنة مليشيات الحوثي لسفينة "غالاكسي ليدر"، التي كانت تبحر بالقرب من جزيرة كمران في البحر الأحمر قبل اقتيادها إلى ميناء الصليف شمالي محافظة الحديدة، هي العملية الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل تراخي دولي تجاه مليشيات تعبث بأمن الملاحة البحرية.
ووقفت المليشيات الحوثية وفقاً للهجمات التي شنتها منذ 2016، خلف أكثر من 35 عملية إرهابية تشمل الهجمات والقرصنة، فيما يعد عاما 2018 و2022 الأكثر قتامة بعد أن شهدا 14 هجوما ضد سفن الشحن.
ففي 2016، شن الحوثيون 4 هجمات طالت سفن "سوفيت" و"سبيريت" ومدمرتين أميركيتين أحدها "يو إس إس ميسون" لترد البحرية الأمريكية بضربات مركزة على أهداف حوثية على ساحل غربي اليمن.
وعام 2017, هاجم الحوثيون 6 سفن سعودية وإماراتية قبالتي موانئ "المخا" و"الحديدة" لكن التحالف العربي وقف بالمرصاد لهذه الهجمات التي استخدمت فيها المليشيات الزوارق المفخخة والصواريخ الموجهة.
أما 2018، فشهد نحو 7 هجمات على سفن الشحن، حيث اتبع الحوثيون ذات نهج الهجمات بالزوارق والصواريخ الموجهة ومن أكثر من 4 نقاط ساحلية لكن أغلبها كانت قبالة ميناء الحديدة والصليف وقرب جزيرة حنيش.
واستهدفت هذه الهجمات سفن "نيبان" و"أبقيق" وناقلة النفط التركية "إنجي إيبلو" و "آرسان" و"فوس ثيا".
وكان 2019، هو أكثر الأعوام انخفاضا، حيث شهد هجومين إرهابيين وطال سفينة تجارية وأخرى سفينة شحن تدعى "حسن"، ويرجع ذلك إلى حراك أممي في البحر الأحمر مدفوعا بتوقيع اتفاق ستوكهولم أواخر العام 2018، والذي استغله الحوثيون بالسيطرة على الحديدة حتى اليوم.
ووصلت هجمات الحوثي في عام 2020 إلى 6 هجمات وطالت سفن "غلاديولوس" قبالة ميناء الحديدة وناقلة النفط البريطانية "stotta pal” و"أجراري" وسفينة سعودية وناقلة "بي دبليو راين" وسفينة “سيرا" وهذه الأخيرة تعرضت لهجوم عبر زراعة أجهزة متفجرة لدى رسوها في ميناء رضوم.
أما عام 2021، فهاجمت مليشيات الحوثي سفينة ترفع علم سنغافورة وتدعى "تورم هرميا" وكذا ناقلة النفط "ألبرتا"، حيث تعرضت هذه الأخيرة لهجوم بطائرات مسيرة لأول مرة.
وافتتحت مليشيات الحوثي عام 2022، بقرصنة سفينة "روابي" الإماراتية في هجوم مسلح قاده الإرهابي منصور السعادي والمهرب العابر للحدود أحمد حلص.
كما تعرض يخت "لاكوتا" قبالة سواحل الحديدة لهجوم حوثي مسلح وكذا سفينة "سيرا" و"هانا" وناقلة النفط "نيسوس كيا" وناقلة المواد الكيمائية "أرام" وسفينة "براتيكا" والتي كانت ترسوا في موانئ الضبة في حضرموت ورضوم وقنا في شبوة.
وكان السيناتور ستيف داينز، الجمهوري عن مونتانا، قدم مؤخرا مشروع قانون يسعى إلى إعادة تصنيف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية وذلك نظرا لأعمال الحوثيين الرامية إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد صنفت الحوثيين منظمة إرهابية، كأحد إجراءاتها النهائية، لكن إدارة بايدن تراجعت عن هذا القرار كأحد إجراءاتها الأولى عند توليها منصبها.