آخر تحديث :الإثنين-16 ديسمبر 2024-12:17ص

النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)

الثلاثاء - 30 أبريل 2024 - الساعة 01:52 ص

صالح ابوعوذل
بقلم: صالح ابوعوذل
- ارشيف الكاتب


تصريحات ومواقف النخب السياسية اليمنية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي المؤقت، تذكرني بقصة حقيقية لشاب اختلق قصة الهروب خوفا من والده، ورفض يعود إلى المنزل، ومضت عليه شهور، وهو يتصكع من شارع إلى أخر بحثا عن من يطعمه ويأويه.
وفي يوم، لم يجد مكان يبيت فيه، فذهب إلى رجل زاهد كان في المحراب يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر، جلس امامه وسلم عليه، وقد تقمص دور "الشاب التقي".
-السلام عليكم سيدي؟
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل يا بُني؟
- حفظك الله يا شيخنا الجليل، وعذرا على المقاطعة، ولكن انا لدي مشكلة مع والدي، لقد طردني من المنزل، ولم يسمح لي بالدراسة، لأني لم اشتغل لكي أوفر له قيمة القات، والدي يا شيخنا كان قاسيا معي ومع أمي التي يضربها كل يوم بسبب وبدون سبب.
- حسنا يا ولدي؟ وكيف يمكنني مساعدتك؟.
- لم اذق طعاما ولم انام يا شيخنا منذ ثلاث ليال كاملات، وكنت...
- خذ هذه ألف ريال يمني، وأذهب إلى المقهاية المجاورة للمسجد، وأفطر .
- لقد فهمتني خطأ سيدي الشيخ، انا اريد ارتاح، اريد ارقد؟.
- كتم الشيخ الزاهد غضبه، ووضع الألف في يده، ثم قال له بلغة حازمة :"اذهب تناول فطورك".
- نهض الشاب وذهب خارج المسجد، يبحث عن مكان ينام فيه، ولكنه لم يجد، وظل يلف في الشوارع حتى جاء موعد آذان صلاة الظهر، فذهب مسرعا إلى الصلاة، فشاهده الامام وهو يدخل إلى المسجد للصلاة، فشعر بتأنيب الضمير، قال في نفسه "يبدو ان هذا الفتى بحاجة إلى مساعدة، فهو يشكو قسوة والده عليه".
اقام الإمام الشيخ في الصلاة وانصرف المصلون، فذهب الشاب إلى ركن المسجد، ووضع يده تحت رأسه ونام، فتش عنه الشيخ بعد الصلاة فشاهده وهو قد نام تماما، فلم يوقظه، وتركه ينام، وفجأة، رن هاتفه الخلوي، فهرع الشيخ صوب الشاب، لإغلاق الهاتف، حتى لا يشتت من أتوا متأخرين للصلاة، ولكن فوجئ بأن المتصل الظاهر اسمه في شاشة الهاتف "الوالد الحبيب" يتصل بك.
- انهض يا أبني والدك يتصل عليك.
- ايوه، الو، انا معك، كنت راقد.
- الصوت من خلف السماعة، "يا أبني استهدي بالله وارجع، أمك مشغولة عليك".
- الشيخ يقف على رأس الشاب منتظرا انهاء المكالمة، وحين انتهت.
- انهض هذا الجامع للصلاة وليس للنوم.
- لملم الشاب نفسه واتجه صوب الباب إلى الخارج.
- تجول في الشوارع إلى ان وجد حارس عمارة، واستأذنه ان يجلس بجوار غرفة الحراسة الخارجية، قال له الحارس، "أيش معك".
- اريد أرقد شوية.
- اتفضل ارقد على سريري في الداخل.
- رمى نفسه على السرير وذهب في نومة عميقة حتى ظهر اليوم التالي.
- عاد حارس العمارة من السوق وقد أحضر معه قليل من الأكل والفواكه وكسرة خبز ، وضع الطعام على المائدة، ونادى عليه :"يا طيب اتفضل معي غداء".
- ببطء شديد نهض متثاقلا في طريقه الى السفر، دون ان يغسل وجهه ويديه، قال :"تصدق انا لم أكل منذ أيام".
- ضحك الحارس، يبدو ذلك فريحة فمك، مزعجة ياريت تقوم تغسل وجهك وتتمضمض.
- أخذ "كسرة الخبز" واخذ يلتهمها وهو في طريقه نحو "دورة المياه" في حوش العمارة، عاد من الحمام، وقد ألتهم "كسرة الخبز".
- مجاملاً :"بصراحة الخبز، روعة طعمه حلو، من يا مطعم أخذته.
- الحارس: هذا طبخ أمي، الله يحفظها.
- تمام.
- ايش تمام؟
- يعني تمام طبخ أمك حلو.
- اتفضل كُل.
- ظن الحارس انه مصاب بنوبة من الجنون، ثم سأله:" انت أيش قصتك"؟.
- والدي طردني عشان كنت ادافع عن امي.
- فهمت..
- نعم، وانا ابحث عن عمل لعلي اوفر مصاريفي اليومية.
- الحارس يذهب صوب المغسلة، لغسل يديه، وهو يفكر في قصة هذا الشاب، ماذا أعمل فيه.
- عاد وقد جمع فكرة عاطفية "اسمع يا اخ ما قلت لي اسمك؟
- "أشرف" أسمي.
- طيب قم اغسل يديك يا "أشرف من الشرف"..
- ايش قصدك.
- ولا شيء بس ذي كلمة تقال دائماً.
- طيب.
- اسمع يا أشرف انا حارس في هذه العمارة منذ ان كانت "أرضية"، يشير بيده شمالا، منزلي بعيد في الحافة الثانية، أمي إنسانة كبيرة في السن، وانا أبنها الوحيد، اعمل هنا مع مالك العمارة منذ سنوات، والحمدلله الحال مستور.
- أشرف: طيب تمام؟
- نهض الحارس من مكانه واتجه صوب الباب الخلفي للعمارة، يغلق الباب بعد خروج مهندس الكهرباء.
- أشرف: الآن هذا با يشوف لي عمل او با يحكي لي قصة حياته.
- عاد الحارس، و"أشرف من الشرف" يتمتم بكلمات غير مفهومة، تريد شيء انا بطلع سطح العمارة با رتب بعض الأشياء.
- أشرف: خذ راحتك يا جبل.
- في اليوم التالي، صحى أشرف مع الساعة الرابعة عصرا، يسأل ان كان هناك "غداء".
- للأسف انا ما رحت البيت اليوم، ولكن معي 2000 ريال يمني، ممكن تروح تأخذ لنا أي شيء من السوق.
- أشرف بلغة ساخرة: ايش ممكن تجيب الالفين ريال، انا جيعان جداً.
- ما في غيرها يا أشرف، لو ما تنفع خلاص بلاش.
- هاتها هاتها، على بخل فيك.
- ادرك حارس العمارة منذ اللحظة الأولى ان هذا أشرف ليس له من أسمه نصيب، وان اسمه الحقيقي "اتفه من التفاهة".
- مضت الأيام، وأشرف يصحى في المساء يبحث عن أكل، وحارس العمارة يصرف أموال ما يحصل على الاكل والشرب لهذا "أشرف" الذي جاء فقط يريد يستريح لبضع دقائق، وأكرمه حارس العمارة، وادخله غرفته الخاصة.
- لم يكن حارس العمارة يزور امه الا نادرة والزيارة لا تستمر سوى خمس دقائق، فهو خائف من أشرف يسرق العمارة، او يترك باب الغرفة مفتوح ويخرج.
- وبين خوفه من اشرف، وعدم قدرته على معالجة هذه المشكلة، ظل أشرف كمشكلة للحارس، فهو لم يستطع التخلص منه.
- وفي أحدى الأيام، قرر التخلص منه، واخبره انه لا يرغب في بقائه هنا، وان عليه الذهاب.
- اشتاط أشرف غضبا، وصاح بأعلى صوته، "ايش تريد تطردني وانا اللي كنت احرس لك العمارة، حين كنت تزور أمك، ودعا الناس في الشارع، وشرح لهم القضية انه جاء لمساعدة الحارسة في حراسة العمارة ويريد يطرده دون مستحقات.
- تدخل بعض المصلحين لعل وعسى ان يعالجوا المشكلة، وكانت الحلول المطروحة ان يستمر أشرف في مساعدة حارسة العمارة مقابل "ثلث المخصص الذي يحصل عليه الحارس"، وافق الحارس، وهو يفكر في طريقة للتخلص من هذا "أتفه".
- ذهب الحارس إلى المقهاية، وطلب وجبة عشاء، على شرف أشرف، وعاد الى الغرفة، ظن أشرف انه قد انتصر، ولكن الحرب لم تبدأ بعد، يقول حارس العمارة في "قرارة نفسه".
- تناولا العشاء، وذهب الحارس للتأكد من أبواب العمارة الخلفية، في حين أن أشرف رمى نفسه فوق السرير كما جرت العادة، ونام نومة المنتصر في الحرب.
- اما الحارس لم يغمض له جف، وظل طوال الليل يفكر في طريقة تخلصه، وعند الساعة الخامسة فجر، ذهب للصلاة في المسجد، وعاد إلى العمارة وذهب إلى الأعلى وجلب "سلك كهربائي"، وعاد، وقد اقنع نفسه بضرورة وضع حد "للمهزلة"، مستذكرا الموروث الشهير" إذا ضربت فأوجع فإن الملامة واحدة".
- اقترب من سرير أشرف، وأخذ يمرن يديه بشكل سريع، فهو يريد ضربة لا يقوم بعدها، أخذ السلك بيديه إلى الأعلى ثم نزل بكل قوة على جسد "أشرف"، بضربة افقدته السمع والحركة، وسحبه خارج العمارة، واغلق الباب ثم عاد إلى السرير مرة أخرى ونام، وأشرف في الخارج فاقدا للوعي، لأنه "لم يتق شر الحليم، يغضب".

رباط استيقاف

- النخب اليمنية السياسية المنضوية في مجلس القيادة الرئاسي، شردها الحوثي، أو ادعت ان الحوثي شردها من صنعاء، وهربت صوب العاصمة عدن، وبعد سنوات وهي تأكل وتشرب وتعيش في أمان، تطالب الجنوبيين اليوم ان يمنحوها جزء من البلد، بل البعض ذهب أبعد من ذلك، زاعما ان هذه الأرض "يمنية"، وطالما وهي "يمنية"، فهي حقهم باسم الوحدة والإسلام والشريعة والشرعية؛ وكل ذلك سقط واستباح الإيرانيون وأذرعهم "العاصمة اليمنية" في ليلة مظلمة من ليال سبتمبر 2014م.
- اعتقد ان "السلك الكهربائي جاهز"، لتقرير مصير هذه النخب السياسية العابثة، ورميها خارج هذا الوطن، ربما تتاح لها فرصة جديدة للبحث عن وطن بديل، للوطن الذي أصبح خمينيا تذروه رياح الطائفية.

والله من وراء القصد.
29 أبريل/ نيسان 2024م