آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-01:54ص

الباحث والمستشار السياسي.. بين أروقة "الدعاية الثورية"، ونسبية آينشتاين!.

الإثنين - 20 مايو 2024 - الساعة 04:05 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


عندما يتم تقديم شخص في لقاءً ما على أنه الباحث والمستشار السياسي في شأن دولة ما، ويُذيل تحت اسمه بتلك الصفة، ويقوم بتقديم الأطروحات غير المتسقة، والسرديات غير السليمة، والتوصيفات غير المناسبة في سياق مرحلة تاريخية حساسة، ويتساهل باستخدام المفردات عند تسمية الشخصيات الكهنوتية الممقوتة من قبل المجتمع والمستفزة لمشاعرهم؛ فمن حق أي مواطن ينتمي لتلك الجغرافيا أن يعبر عن انتقاده واستنكاره وسخطه، ويبوح بغضبه وامتعاضه من ذلك "المستشار"!.

دور الباحث يقوم على طرح التساؤلات المرتبطة بالمشكلة أو الظاهرة، وجمع البيانات عنها من مصادر متنوعة وموثوقة، واستخلاص المعلومات وتنظيمها وتحليلها لاستخراج العلاقات والروابط فيما بينها، ومعرفة أسباب حدوثها، ووصولاً إلى التفسير والتنبؤ بالاتجاهات. أما المستشار فهو من كان ضليعاً في مجاله، وذو خبرة وكفاءة في تخصصه، وصاحب مشورة ورأي وجراءة، وتنتج من آرائه ووجهة نظره أفكار تساعد على عدم الوقوع في الأخطاء، وفي حال حدوث الأخطاء، فإنه يقترح الحلول بأقل الخسائر كونه يجيد فن تصحيح الخطأ، ويساعد في صناعة القرار ويعمل على ترشيد اتخاذه.

أما السياسي فهو على اطلاع ودراية كاملة بالشأن العام، ويشارك في التأثير على الجمهور من خلال التأثير على صنع القرار السياسي، ويفهم بمحركات المجتمع، ويراعي عند الحديث مشاعر الجماهير، ويعمل على انتقاء المفردات والألفاظ، وإظهار وإخفاء المعلومات وفقا لسياق ومقتضيات المرحلة. بينما مسمى "المستشار السياسي" عبارة عن مزيج ما بين خصائص المستشار، وسمات السياسي!.

الباحث في المجال التاريخي لا يكتفي بأن يعرض وينقل فقط ما كتبه الآخرون، ولا يقتصر دوره على الاستشهاد بما قدمه كهنة الآل في كتبهم، بل يتوجب عليه انتقاء المراجع والمصادر الموثوقة والمتنوعة، وتفنيد وتحليل الوقائع والأحداث والمسببات، وصولاً للتفسير والاستنتاج. الباحث الذي يصف تاريخ بلده بـ "الزوبعة"، ويصل عبر بحثه العميق إلى نتيجة ملهمة تتمثل بأن "الماضي حاضر دائماً في ذهنية مجتمعة"؛ فإنه يمكن نقض نتيجته بسهولة، لو كان الماضي حاضر بشكل دائم بعقول المجتمع لما تكررت المآسي والمصائب والكوارث، ولما تمَكن كهنة الآل وقفازاتها القذرة من المكر والخداع والمخاتلة مجدداً!.

الباحث التاريخي الذي يتجاهل إيضاح كيف كان وضع الشعب من فقر وجوع وفاقة ومرض وجهل، وكيف كانت الحالة المعيشة للإمام البغيض وكهنة الآل، ولا يجهد نفسه حتى بالتفريق بين "البخل، والحرص لتوفير موارد الدولة"، ليس بباحث وإنما غِرٌّ كاتم!. الباحث التاريخي المتخصص لا يمكن له أن يتجرأ على وصف (او حتى نقل) حاكم سلالي مارس القتل والتجويع والتجهيل الممنهج بحق أبناء الأرض، ولم يخرج من محيطه الضيق، وفرض العزلة على شعب بأكمله، ولم يعرف البحر في حياته، ولم يزر المناطق التي كان يحكمها؛ على أنه كان حاكماً مجتهداً ولديه الحنكة في تصريف أمور الدولة!.

يُحال على الباحث التاريخي أن يروي سرديات اعتقال واقتياد الوطنيين الأحرار إلى سجون الكهنوتية الظلامية، وينتهي به المطاف لتفسير بأن "الأغلبية ماتوا"، دون توصيف سبب الموت "موتاً طبيعياً، أم تعذيباً، أم إعدامات"!. الباحث التاريخي الذي يصف بأن حالة الحرمان والبؤس والجوع والفقر والمرض والمجاعة والتجهيل الممنهج في حقبة زمنية مظلمة بـ "الدعاية الثورية"، ويتفكه بـ "آينشتاين يُحييكم"، لا هو بباحث، والتاريخ براء من هرطقاته!. الباحث التاريخي الفذ الذي ثارت لديه فجأة قوة الملاحظة، وأشار بأنه لم يكن ضمن مستشاري أحد ملوك شبه الجزيرة العربية من أبناء اليمن، على الرغم من أنه كان هناك مستشارون له من مختلف الدول العربية وغيرها؛ يمكن تفسير ذلك بنفس منطق من نقل ووصف الإمام بالمجتهد والمحنك والمصرف لأمور الدولة، بأن اليمنيين ببركة حكم الأئمة البغيضة تخطوا تقديم الاستشارة على المستوى الإقليمي، وانتقلوا حينها لتقديم الاستشارة على المستوى الدولي!.

المستشار المحسوب على الطرف الجمهوري المناوئ والمعادي للكهنوتية السلالية ومشروعهم المدمر للوطن وللمنطقة ككل؛ كيف يمكن تخيل مشورته وآراؤه وأفكاره، ودوره في صناعة القرار، وهو يتحدث بلغة ناعمة، وبمفردات ودية فضفاضة، وبألفاظ ملساء، وبعبارات مرهفة منمقة عن أجداد كهنة الآل!. المستشار الذي يعتبر التعداد السكاني لأبناء وطنه أمراً مقلقاً ومزعجاً ومبالغاً فيه، بينما يتجاهل التزايد الآسي لتعداد كهنة الآل، وتغيير الألقاب وظهورها واختفائها المزمن، هو مستشار لا يجيد فن تصحيح الأخطاء، بقدر ما يدفع للوقوع بالخطأ مجدداً!. المستشار الذي يتحدث بأن وطنه سبب الصداع المزمن للمنطقة والعالم، دون أن يشير حتى تلميحاً إلى الأطراف المتسببة بذلك الصداع، هو مستشار لا ينتج أفكاراً ولا يقترح حلولاً، بقدر ما يجتر ما يسمعه من الآخرين!.

أما السياسي الذي لا يفرق بين أنظمة الحكم السياسية المتعارف عليها، وبين الأمامية الكهنوتية البغيضة في سياقها التاريخي والجغرافي، والتي تُعبر عن "الثيوقراطية" في القرون الوسطى، والمتمثلة بالتفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر والشعب، فهو لا يمثل حتى عٌشر سياسي، وليس على اطلاع ودراية لا بالشأن العام ولا بالخاص!. كما أن السياسي الذي لا يستطيع انتقاء مفرداته وإمساك العصا من المنتصف عند إطلاق المسميات والتوصيفات، ولا يمكنه -على الأقل- ذكر الشخصيات المستفزة للمجتمع بأسمائها المجردة فقط دون إيراد سابقة أو لاحقة (صفة، أو لقب)؛ هو لا سياسي ولا يفهم بمحركات المجتمع، ولا يراعي مشاعره، فكيف يمكن أن يتم تذييل اسمه بـ "مستشار سياسي"!.

اخيراً، ما ألذ مذاق الحرية، وما أجل العزة والرفعة والكرامة، وما أعظم الاعتزاز بالنفس، وما أشرف الفخر بالانتماء والهوية، وما أفضل الشعور بالندية أمام الأطراف الأخرى. بالتأكيد، أن لطريق الحرية والرفعة والاعتزاز والشرف والندية أثماناً باهظة؛ ولكنه قَدر كافة الأحرار والشرفاء. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الترويج لأنظمة الحكم الأخرى، وبالأخص في سياق مجريات الأحداث الراهنة في الساحة الوطنية، أمر مستفز للمشاعر الوطنية ومثير للوعي الجمعي بالحالة التاريخية، ويعد مؤشر وناقوس خطر، ويدركه كافة الوطنيين المخلصين الأحرار من أبناء الشعب!.