آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-01:54ص

تأملات من واقع الحياة

السبت - 25 مايو 2024 - الساعة 12:25 ص

يحيى اليناعي
بقلم: يحيى اليناعي
- ارشيف الكاتب


غالبا يجفل الإنسان في منطقتنا عن مخالفة السائد بصرف النظر عن مدى صوابه.

يلغي ذاته واستقلاليته وتفكيره ويتماهى في العلاقات والانتماءات والعادات إلى حد الذوبان.

يتحول إلى نسخة مشابهة ومكررة من المجموع، كما لو أننا إزاء معلبات تشبه ما فوقها وما تحتها وما بجانبها في الكرتون.

يتشبث بكل ما هو سائد من الأفكار ومألوف العادات المعيقة للنهوض والتفرد.

ويطرب ويحب من يستطيع تخديره بالأوهام.

يقول نيتشه "إذا أردت البقاء مع الناس شاركهم أوهامهم، الحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل".

يتلقى الإنسان في البيت والمدرسة والقبيلة والمجتمع تربية على التبعية المطلقة، تجرده من الاستقلالية والثقة بالذات والاعتزاز بالنفس، وتحيله إلى كائن منزوع الفاعلية والمبادرة، وله سمات الخضوع والتسليم والهوان.

لا تبعية مطلقة في الإسلام حتى للوالدين، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كائنا من كان هذا المخلوق.

في دورة الحياة يحدث للإنسان أن يعيش حالة من تشوش وتداخل المفاهيم والقيم "والتدين المغشوش" ويفتقد في ظلها للرؤية والفاعلية والاتزان.

عندما يغيب الوعي السليم نعيش الفوضى داخل الذات وخارجها، وإلا فإنه بالإمكان أن ننتمي للكيانات والمؤسسات، وأن نبقي على استقلاليتنا كأفراد ولا نذوب كليا.

أن تتجنب الوقوع ضحية للثنائيات، فلا تكن طيبا ساذجا ولا ماكرا خبيثا، بل حازما عادلا.

الحياة ليست أبيض وأسود، ومعظم تفاعلاتها تجري في المنطقة الرمادية.

أحيانا أقول جبارة هي الحياة التي جعلتنا نعيش زمن تضاد القيم، فالدين لم يعد النصيحة، بل ثقافة التبرير والدفاع عن الأخطاء هي الدين..وهي النصيحة.

أما قول الحقيقة فمن شأنه أن يجعلك في نظر الناس مشروع عميل قادم، مشروع خائن محتمل.

ذلك لأنهم لم يتعودوا الخروج على النصوص والأوضاع الخاطئة، والمطالبة العلنية بتصحيحها.

أو ربما لأنهم لا يطالبون إلا بمصالح خاصة، ويعتقدون أن البقية مثلهم لا يأبهون للمصلحة العامة.

يحدث أن يخسر المرء مرة، ويظل باقي عمره يحطم الفرص خوفا من الفشل.. هذه القاعدة تجعل البعض كوحيد القرن، فتقييمه للأشخاص أحادي، ونظرته للأشياء أحادية، وتفسيره للمآلات واحد.

مع أن الناس بحاجة ماسة لتطوير أفكارهم على الدوام، لمواجهة تطورات الأحداث المتسارعة.

يقول الدكتور عبد الكريم بكار "‏استمرارنا في الكشف عما غشي أفكارنا وطروحاتنا القديمة من أوهام ومغالطات قد يكون هو الدليل الوحيد على أننا ما زلنا ماضين في طريق النضج والتعلم المتجدد".

في ثقافتنا السائدة وغير السليمة يجري التركيز على المحاسبة الفردية، وعادة ما تدعو التعميمات الداخلية والمواعظ للتوبة من الذنوب الذاتية الفردية، وليس الجمعية، باعتبارها هي ما يحول دون انتصار ونجاح المجتمعات والجماعات التي ننضوي في صفوفها.

في حين أن الحقيقة خلاف ذلك تماما، فالذنوب الجماعية هي ما يعيق النجاحات والظفر، وكل الآيات القرآنية التي تحدثت عن النصر والهزيمة جاءت للتحذير من الآفات والأخطاء والآثام على مستوى الجماعة، ولم تتحدث أبدا عن الذنوب والتقصيرات على المستوى الفردي الشخصي.

يقول الدكتور محمد عياش الكبيسي وهو بالمناسبة من قيادات العمل الإسلامي البارزين في العراق والعالم الإسلامي"إن العبرة بالتوجه العام في الأمة وقياداتها ومؤسساتها، وهذا هو ما ينبغي تسليط الضوء عليه في المراجعة والتقويم والمحاسبة، وأما المحاسبة الفردية فهو نوع من الالتفاف على أصل الداء لاعتبارات نفسية وسياسية وفئوية كثيرة".

ثمة احتياج عاجل وضروري للتوبة العامة الحقيقية، بمفهومها الشامل الذي تناوله الدكتور الكبيسي في برنامج الشريعة والحياة بقناة الجزيرة والذي قال عنه:

"لماذا لا نكون صرحاء مع أنفسنا ونعرف بداية مما نتوب؟!
المسلمون اليوم لا يعرفون التوبة ولا يذكرونها إلا حينما يرتكبون أنواعا معينة من الذنوب الفردية الشخصية، يعني هو مثلا ترك فرض من الصلاة يتوب منها.

لكن هناك قيادات دمرت الأمة بسبب أخطائهم، بسبب سياساتهم الفاشلة، غش الناس، غش الأفكار، غش الثقافات، أضعفوا الأمة، نخروا الأمة، فرقوا الأمة، هذه لا يعتبرونها توبة لأنهم بثقافة التبرير يعتقدون أن هذه الأشياء التي قاموا بها حسنة، فهم مجاهدين مجتهدين إلى آخر الأشياء الحسنة، فهل الإنسان يتوب من الأشياء الحسنة؟!!
وهكذا نجد أن ثقافة التبرير قلبت السيئات إلى حسنات".