آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-01:54ص

الطرقات… بين تحريف التوصيف، وتضخيم الدور، وتمييع القضية!

الجمعة - 21 يونيو 2024 - الساعة 10:36 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


تم تداول -خلال هذا الأسبوع- أخبار عن إزالة الحواجز، ورفع العوائق، وتسريح مأجوري قطاع الطرقات عن بعض الممرات الرابطة بين محافظات الجمهورية اليمنية، وهذا خبر يبهج ويسر أي مواطن لديه انتماء، ويمتلك ذرة شعور بما تكبده المواطنون من معاناة ممنهجة طيلة المدة السابقة. ومن البديهيات، أن عبور شبكات الطرقات العامة الرابطة بين جغرافيا البلد الواحد الموحد، والتنقل بينها بكل سهولة ويُسْر، تعتبر من أبسط حقوق المواطنين- بل والزائرين والوافدين-، وإن كان لا بد من تضييق منافذ العبور وتشديد المرور، فإنه يتوجب تضييقها بوجوه من تسببوا بقطعها، وإغلاقها أمام دعاة الفتنة وتجار الحروب والميليشيات والمنتفعين، لا أن تغلق بوجوه أبناء الأرض!.

في السياق الديني، قطع الطرقات عبر المليشيات المسلحة تمثل الإفساد في الأرض، وتستوجب حد الحرابة. بينما حصار المدن من قبل العصابات دون تمكن الدولة من فك الحصار عنها، يعني بجانبه السياسي، انهيار مؤسسات الدولة وفشل المكونات السياسية، ويستلزم تغيير المنظومة السياسية بأكملها. أما حظر التنقل ضمن إطار جغرافي الدولة الواحدة، فإنه بشقه العسكري يشير إلى انقسام الجغرافيا، وتكريس الانفصال، وتفكك المؤسسة العسكرية، ويستدعي وحدة الجيش وقيادته لتحرير الجغرافيا من قبضة العصابات الإجرامية المتسببة بذلك.

أما استحداث الحواجز والنقاط الجمركية، وازدواجيتها في المنافذ البرية، وابتزاز التجار والشركات والمؤسسات عبر فرض الجبايات والإتاوات، فإنها تدل في سياقها الاقتصادي على ازدواجية التحصيل المالي، ونهب الإيرادات، وتبخر النفقات، وتنفير البيوت التجارية، وتطاير المساءلة، وشلل المحاسبة، وانهيار تام  للاقتصاد. بينما قطع الطرقات في سياقها الإجتماعي، تجسد تقطيع أوصال المجتمع الواحد إلى جزر منفصلة، وزيادة معاناة المواطنين، وعزل المناطق لتوسيع الفجوة بين أبناء الوطن الواحد.

وبالتالي، النعت الأدق لما ارتكبته العصابات الميليشياوية بحق المواطنين، يتمثل ب: قطع الطرقات، والإفساد بالأرض، وحصار المدن، ومحاولة تقسيم الجغرافيا الموحدة، وحظر التنقل، وابتزاز أبناء الأرض، ونهب التجار، وتدمير الاقتصاد، وتقطيع أوصال المجتمع. كما أن التوصيفات الصحيحة التي يجب أن ترفع وتتداول بخصوص الطرقات، ينبغي أن تكون صياغتها بـ: بتر أيدي قطاع الطرق، ومحاربة المفسدين بالأرض، وكسر حصار المدن، وتمزيق أوراق الانفصاليين، وطرد المبتزين، وملاحقة الناهبين، وترميم الاقتصاد عبر استعادة كافة مؤسسات الدولة.

وعند الالتفات لتحديد المتسبب الأساسي بقطع الطرقات، وإيضاح من قام بحصار المدن، وكشف من يحاول تفكيك المجتمع؛ فسوف نجد أن كل أبناء تلك المناطق الجغرافية التي قُطعت طرقها، وحُوصرت مدنها، وتم تقطيع أوصالها، لم يكونوا سبباً فيها، بل عانوا أشد العناء منها، وتجرعوا ويلاتها. واقعياً، مأرب لم ترسل أبناءها لقطع الطرقات في محافظات أخرى، والبيضاء لم تبعث جحافلها لمحاصرة عواصم المدن المحاذية لها، والمناطق الوسطى لم توفد مندوبيها لفرض الإتاوات والجبايات في مديريات غيرها، وتهامة لم توجه أبطال زرانيقها لاجتياح التقسيمات الإدارية المجاورة لها، والمحافظات الجنوبية لم تهاجم ممتلكات ومقدرات المناطق الملاصقة لها؛ ومن أقدم على معظم تلك الأفعال الشنيعة والإجرامية، هم أهل الولاية والتسليم والعكفوية، والمتمثلة بالكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة!.

الإشكاليات الجوهرية  فيما يتم تداوله -بشكل مكثف- بخصوص الطرقات، هو تحريف التوصيف، وعدم دقة النعت، وتجنب ذكر المتسبب، وتضخيم ما لا يحتاج إلى التضخيم وما يُعد من أبسط الحقوق، وتقزيم المشكلة وتحجيم الكارثة، وتصوير بأن نقاط الخلاف الرئيسية تم حلها، وبأن القضايا الأساسية تم تسويتها، وأن كافة الأمور عادت إلى نصابها، ومجريات حياة المواطنين رجعت إلى طبيعتها!.

قبل الختام، الطرقات التي يتم تداول أنه تم "فتحها!"، دون وجود ضوابط محددة، والتزامات معينة، وتسوية واضحة، ودون استعادة مؤسسات وأجهزة الدولة المسؤولة عن بسط النفوذ وتطبيق القوانين، هي طرق موصدة، ومنافذ مغلقة، وان تبدى بأنها مفتوحة!. حواجز وعوائق الطرقات قد يتم إزالتها؛ ولكن عند عدم وجود مؤسسات وأجهزة الدولة، فإن المنازل قد تُقتحم، والممتلكات قد تُصادر، والحقوق قد تُقيد وتنُتزع، والمتاجر قد تنُهب، والمساجد قد تُصبغ بطيف واحد، والمستشفيات قد تصبح مصدراً للأوبئة والأمراض، والجامعات قد تصير صرحاً للتجهيل، وتلك الطرقات قد لا تقدم خدمات المرور للمواطن، بقدر ما تعيقه وتأخذ مقدراته!.

ختاماً، حجم بهجة وسرور المواطنين توضح حجم اللعنة التي حلت بالوطن، ومقدار المعاناة الذي تعرض له أبناء الشعب خلال سنوات الجحيم السابقة. رائع الابتهاج والتفاؤل اللحظي؛ ولكن الأروع والأكثر اتزاناً هو التركيز على البعد المستقبلي، وعلى أبناء الشعب أن يكونوا يقظين ممن يحاولون جعل أمر الطرقات إنجازاً غير مسبوق، وأن لا يقبلون بسحق متطلباتهم، وتحطيم طموحاتهم، وأن لا يسمحون بمن يهدف لتمييع قضيتهم الرئيسية العادلة، والمتمثلة باستعادة السلطة ومؤسسات الدولة من أنياب العصابة الميليشياوية، واستئصال فكرة ولاية الكهنوتية السلالية، ودفن جيفة التسليم من قبل العكفوية!.