آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-01:54ص

عن قصف تل أبيب.. السعودية في حيرة خاتمة الحوثي

الجمعة - 19 يوليه 2024 - الساعة 11:51 م

خالد سلمان
بقلم: خالد سلمان
- ارشيف الكاتب


أسئلة الغموض تحيط بالمسيَّرة التي أستطاعت أن تتخطى أجهزة الإستشعار والإنذار المبكر والقبة الصاروخية، وتضرب تل أبيب صباح اليوم الجمعة.
أجهزة الأمن الإسرائيلي تجري عملية تقييم الموقف، وبحث ما إذا كانت هذه المسيَّرة تمتلك مزايا تقنية عالية التعقيد، حد النفاذ إلى قلب المدينة الأكثر بعداً واكتضاضاً بالسكان ، أم أن سبب نجاح الوصول إلى الهدف يعود لتقصير بشري.
تبني الحوثي للعملية لم يوقف تداعي الحدث، ومحاولة إكتشاف مدى صحة هذا الإعلان الحوثي الصريح بقصف تل أبيب من عدمه ، حيث تتوزع الأسئلة بين من ضرب تل ابيب ؟ومن أين أنطلقت الطائرة؟، ولماذا نجحت في تخطي منظومة القبة الحديدية؟.
الوصول إلى تل أبيب يعيدنا إلى تصريحات سابقة لقيادات الحرس الثوري الإيراني، بوجود خلايا مسلحة تتبعها في البحر الأبيض المتوسط ، وهي منطقة تدور حولها التكهنات في أن تكون نقطة انطلاق المسيَّرة ، في ما تتجه أنظار البعض الآخر إلى جنوب لبنان ،الأكثر قرباً ومعقولية، وتزامن هذا الاستهداف مع إغتيال قيادي بارز في قوات الرضوان، وهي نخبة النخبة في التسلسل العسكري لقوات الجماعة في الجنوب.
وأياً كانت التكهنات وغبار الفرضيات المثارة ، فإن العملية بدلالتها الأمنية تعيد طرح الحوثي ثانية على رادار الإهتمام الإسرائيلي ، حيث تجري مشاورات مكثفة حسب تسريبات إسرائيلية حول مغادرة اللاموقف ، والبدء برد ملموس يستهدف قيادات حوثية تبدأ من الرجل الأول ، وتنتهي بالواجهة الإعلانية للحوثي يحي سريع، وهو هدف رخو ولكن تحييده يمنح إسرائيل نصراً معنوياً على هامشية إسم ومكانة الهدف.
فرضية إنطلاق المسيَّرة من مناطق الحوثي المحاذية للبحر الأحمر ، تسقطها إستحالة تخطيها هذه المساحة البحرية التي تعج بالأساطيل الأمريكية البريطانية الأوروبية، دون إلتقاط الهدف وتحديد مساره، وبالتالي إسقاطه قبل دخول الأجواء الإسرائيلية، مايطرح الفرضية البديلة عن نقطة الإنطلاق بين حزب الله وتمدد إيراني خفي في البحر المتوسط.
لايبدو أن إسرائيل هذه المرة ستصمت بل ستبادر برد الفعل ، وستحيل ملف الرد للموساد وهو المعني بالعمليات الخارجية وتحديداً الإغتيالات، وللمؤسسة العسكرية، لتحديد الهدف القادم :تدمير البنية التحتية العسكرية ومعامل إنتاج المسيرات والصواريخ ، أو ضرب الرؤوس القيادية للحوثي، أو الإثنين معاً.
يبدو أن الحوثي بعد الوصول إلى تل ابيب في حال هو الفاعل ، بحاجة إلى حفر المزيد من الكهوف والخنادق لحماية قياداته، وعلى إيران هي الأُخرى أن تتحسس رأسها.


----------------------------- -----------------------------
‏ما بعد ضرب تل ابيب ستتغير قواعد اللعبة ،وسيعاد تصنيف الحوثي من مشكلة محددة جغرافياً باليمن، إلى مشكلة إقليمية تهدد أمن وسلامة الدول، تنتهك قواعد القانون الدولي تلحق الدمار بالبيئة والممرات الدولية.
الحوثي يرمي أوراقه بالرهان على العاطفة الشعبية، المستفَزة حد أقصى درجات الغضب، من جرائم الإبادة الصهيونية بحق مدنيي غزة ، وهو -الحوثي-إذ يتلفع بهذا الرداء الإنساني فإنه يعمل من أجل تحقيق أهدافه السياسية المحلية، بإطالة أمد قرصنته الإنقلابية على الحكم ، وبتصدير أزماته الداخلية في الإقتصاد والعملة والحقوق العامة، بإتجاه الحرب والعدو الخارجي ، وربط كل مطالبة شعبية بإستحقاق حياتي بتهمة الخيانة ، وهي تكفي وحدها لتقود إلى شارع التحرير حيث فرق الإعدام جاهزة للضغط على الزناد.
سنرى تغيراً حقيقياً في النظر للحوثي، وآليات عمل مختلفة ضده ربما تتخطى قواعد الردع الراهنة، وتذهب إلى قلب الطاولة وتغيير معادلة القوة لغير صالح الحوثي أما بدعم الخصوم جدياً او بتوسيع بنك الأهداف .
الحوثي لا يمكن ترويض عدوانيته بهبات التسوية السخية الممنوحة له ، ولا إحتواء تطلعاته بتمكينه من حكم اليمن ، الحوثي مشروع مافوق وطني كل أهدافه تذهب نحو إنجاز رؤية ايران للمنطقة، والتوغل في بسط النفوذ لتغدو طهران العامل الأهم في رسم الخرائط ، ناهيك عن إدارة ملفاتها المعقدة ذات الصلة بالعقوبات والملف النووي، وإعادة إدماجها في دورة الإقتصاد والسياسة الدولية، وبالتالي فالحوثي ليس جماعة وطنية هو مخلب إيران وكعب أخيلها للتسرب نحو السيطرة على مفاصل جغرافيا تعج بالثروات والموقع الجيوسياسي .
أكثر من يقف في حيرة من أمره وعلى مفترق الطرق هي السعودية ، حيث تقاوم محاولات جرها لتحالف إقليمي لوضع خاتمة للحوثي ، وهي من واقع سنوات عشر لحرب ضروس ،لها تقديرات خاصة تحول دون إنخراطها بحرب ثانية ولتعميق أزمتها فإنها مجبرة أن تتعاطى مع جماعة ليست سيدة قرارها ، ومع إيران التي تنفتح بالكلام مع الرياض وبالسلاح الموجه ضد الرياض مع الحوثي، لإبقاء المصالح السعودية في مساحة مرتبكة متعددة الضغوط وفي منطقة ضرب النار.
سترد إسرائيل من دون شك ، ولكنها تسعى عبر المشاورات السياسية لما بعد الرد ، ببحث بغطاء دولي صيغة تحالف إقليمي مع السعودية والإمارات ومصر التي مضار اقتصادها ، أولاً لحماية سماوات والحدود الإقليمية الإسرائيلية، وإنهاء العبث في البحر الأحمر ، وثانيا لتشكيل غرفة عمليات مشتركة تحدد بنك الأهداف ، بما يضعف جدياً الحوثي، يجرده من قوته الصاروخية ومسيَّراته ، ويحوله إلى مجرد مليشيات محلية ، تخوض معاركها بالكلاش والسلاح الخفيف والمتوسط ولا تشكل خطراً على المصالح الغربية والجوار.
لايبدو إن الحوثي سيكون بعد استهداف تل ابيب هو ذاته ماقبل الاستهداف.
المشهد مفتوح على إحتمالي إصطياد الرؤوس والعمل العسكري واسع النطاق.