آخر تحديث :الأحد-08 سبتمبر 2024-01:54ص

الانفعالات اللحظية لا تُحرر الأوطان!

الأحد - 21 يوليه 2024 - الساعة 12:14 ص

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


يقال دائماً لمن ينسى الأحداث فور انتهى حدوثها، ولا يتأثر من التجارب السابقة، ولا يتعظ من الدروس المستفادة، بأن لديه ذاكرة سمكة، وتسمى ذاكرة الحاسوب التي تتطاير بياناتها وتزول بعد إطفائه بالذاكرة العشوائية، وسوف نطلق على ذاكرة الأفراد والجماعات والمجتمعات التي تنفعل لحظياً عند مطالعة منصات التواصل الاجتماعي وتنسى سريعاً، بذاكرة الوسوم -الهاشتاجات- أو ذاكرة الترندات!. علماً أن الأحرار الأبطال المؤمنون بقضية الشعوب والأوطان لديهم مبادئ ثابتة، وقيم راسخة، ورؤية واضحة، وليس لديهم ذاكرة سمكة أو ذاكرة عشوائية أو ذاكرة ترندات.

تفيض شبكات التواصل منذ يومين بتسريب كشوفات الفساد ووثائق العبث والمحسوبيات بمختلف أشكالها وأنواعها، والدهشة ليست من الكشوفات والفساد المتجذر الممتد، كون القائمون عليها معروفين لدى الجميع؛ ولكن الحيرة هو من مقدار ما ظهر من صدمة، وحجم ذهول مرتادي شبكات التواصل من تجاوزات القائمين على تلك الكشوف، رغم المعرفة التامة بفسادهم المالي والإداري وحتى الأخلاقي!. يدرك الكل أن القائمين على ذلك الفساد عبارة عن جماعات -أو أحزاب- على شكل جزر منفصلة عن بعضها البعض ومُخترقة، ولكل جناح مشروعه الخاص وفقاً للممول، وليس لديهم مشروع واحد يصب في مصلحة أبناء الوطن والأرض الواحدة الموحدة؛ حيث قام الجناح الأول بتسريب وثيقة المطالبة بإيداع مبالغ الإيرادات المتحصلة، فرد عليه الجناح الثاني بإفشاء كشوفات ما يسمى بـ الإعاشة، فأقدم الجناح الثالث على إبانة كشوفات التعيينات للجناحين السابقين، وهكذا مشاريعهم!.

الشرعية هي شرعية الدستور والقوانين واللوائح والأنظمة، ومصدرها أبناء الشعب، وأساس قواعدها التواجد على الأرض، وأعمدتها مؤسسات الدولة، ومداميكها الحفاظ على حقوق المواطنين وصون مقدرات الوطن، وناموسها الدفاع عن النفس والعرض والمال، وسقفها الحامي لها هم الأحرار المناوئين فكرياً لتضليل الكهنة، ورٌمحها ودرعها هم الأبطال في ميادين الوغى المقاومين لعبودية السلالية وقفازاتها القذرة، وسمائها هي الكرامة والنخوة والعزة والشموخ.

الأدوات التي سلمت عواصم المحافظات للمليشيات الكهنوتية وصولاً إلى تسليم العاصمة السياسية، والجماعات التي فتحت مخازن الدولة للسلالية، والمجموعات التي تعاونت مع القفازات القذرة، لا يمكن أن تمثل "الشرعية". ومن توقف عند البوابة الشرقية للعاصمة السياسية (نهم)، وخذل مقاومة أبناء حجور، وتخلى عن إحدى جماجم العرب الكبرى (مراد)، وغدر ببيوت المُلك الحِميّرية (قيفة، والزاهر، وردمان)، وهرب من القرى المعينية (الجوف)، وتراجع من أبواب عروس البحر الأحمر (الحديدة)، لا يمكن أن يطلق عليه "شرعية". ومن لا يستطيع حماية الجهات الإيرادية السيادية، ويتسول معاشات أفراد المؤسسة العسكرية من دول الجوار، ويستغلها ويتلاعب بها، لا يمكن أن يكون إلا "شراً وغية". ومن لم يستطع التحكم بمفاصل الاقتصاد وسحب بساطها من تحت الكهنوتية، ولم يتمكن من إغلاق أي قناة مرئية أو مسموعة أو حتى إيقاف حسابات التواصل للسلالية، ويعتمد باتصالاته وتبادل معلوماته على ما تحت أيدي الدخلاء والغرباء والشظايا، لا يمكن تسميته إلا بالمطية. ومن يذهب للتصور بجوار لوحات تنفيذ مشاريع بسيطة لآبار مياه مدعومة من دول الجوار، وتكلفة الدعاية والترويج والتطبيل لافتتاحها تفوق تكلفة المشاريع، لا يمكن أن يكونوا رجال دولة. ومن يعتمد بتوجيه المعنوي على أناشيد طيور الجنة، ويركن على رفع حماسة القوات وتثقيف الحشود بـ "ساعة فؤاد"، لا يمكن نعته إلا باللامبالاة والهزلية. ومن وصلت به الجرأة إلى محاربة أحفاد سبأ وحِميّر (القومية اليمنية)، ومحاولة تجييرها وإفراغها، وزج أبطالها الأحرار ممن فقدوا أجزاء من أجسادهم في السجون والمعتقلات، لا يمكن وصفهم إلا بأضداد الشرعية. وكل ما سبق يفوق بآلاف الأميال فساد الكشوفات والتعيينات، بل أفساداً في الأرض وأهلكاً للحرث والنسل.

مررت على كثير من الكتابات للوطنيين المخلصين الصادقين الأحرار، ممن ضحوا وناضلوا لسنوات طويلة فكرياً واجتماعياً وعسكرياً، والتي عكست مقدار مآسيهم، وأخرجت أوجاع ما في صدورهم، وبينت مقدار ألم خلجات نفوسهم. لذا، أقول لكل الأحرار الأبطال الوطنيون الصادقون، كل حرف وكلمة كُتبت لمجابهة فكر الكهنوتية لن تضيع، وكل أدب وقوافي شعر نُظمت لمنازلة السلالية لن تٌنسى، وكل وقت اُستثمر في مناوئة الدخلاء لن يٌفقد، وكل جهد بذل لمقارعة الشظايا لن يٌبدد، وكل مقاومة في وجوه الغرباء لن تٌفنى، وكل مواجهة مع الأذيال من القفازات القذرة لن تٌمحى، وكل عمل في سبيل أبناء الشعب والوطن يهون من أجله كل التضحيات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن "الشرعية" التي تم وسيتم التضحية من أجلها هي ما تم توصيفها بـ السطور الأولى، وأن الدفاع عنها لا يمكن بأي حال أن يٌختزل بالدفاع عن ثلة من الفاسدين المرتهنين التافهين التابعين الخانعين، من جٌل همهم محاصصة المناصب، وأكبر تركيزهم تقاسم المغانم، وهم كالسراب بدون عقيدة وطنية ولا هوية ولا حتى شعور بالانتماء.

ختاماً، طُرق حمل المباخر وتلقي الأوامر من الممول معروفة، ومسارات الإدراج في الكشوفات والحصول على بقايا الفتات من مكبات النفايات معلومة، وسُبل الوصول لمناصب التعيينات بلا سلطة ولا أرض ولا مؤسسات واضحة، ودُروب العكفوية والعبودية والخنوع والتسليم بائنة، وصراط المجد والتاريخ والعزة والكرامة والشموخ والإباء (وإنقاذ ملايين المواطنين من أبناء جلدتنا) جلية وواضحة. إضافة إلى ذلك، هناك نزاع بين دول الإقليم قائم على صراع المصالح وناتج من مخاوف الأمن القومي وقد ينتهي ذلك بتسويتها عبر التفاهمات والاتفاقيات، وهنالك عراك انتهازي نفعي على بقايا الفتات والمناصب، وقد ينقضي برمي قطعة عظام هنا أو بتعيين وظيفي هناك؛ ولكن هنالك كفاح مستمر ومعركة ممتدة ما بين أحفاد سبأ وحِميّر (القومية اليمنية)، وبين كهنة الآل وقفازاتها القذرة، ولن تتوقف إلا بإسقاط مشروع الكهنوتية، ووأد السلالية، وعودة كافة الحقوق لأبناء الأرض وأصحاب الحق.