آخر تحديث :الثلاثاء-26 نوفمبر 2024-12:49ص

رسالة الاستهانة والتعمية…ما بين التقّديس وتحديد الأولويات لليمنيين! (١)

الأربعاء - 21 أغسطس 2024 - الساعة 01:02 ص

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


تداول البعض رسالة الاستهانة والتعمية -لا الاعتذار والتوضيح- التي صدرت عن من قدم نفسه دكتورًا وعضوًا في رابطة علماء اليمن، والتي كشفت في طياتها بأن الحديث عن أوكار الدعارة، ومراتع الفسق، ومقررات الدياثة في أرض سبأ وحِميّر، كانت عبارة عن تدريس مقرر جامعي تاريخي للطلاب في صرح علمي، ولم يكن ذلك في مكان آخر!.

يُعتبر التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع أهم الركائز الأساسية للجامعة؛ ولكنها بعد تدريس مقرر يعنى بما ورد أعلاه، تصبح مقراً لنقل الرعونة والسفاهة -لا المعرفة- ، ومقاماً لـ تزوير وتحريف وتشويه التاريخ -لا البحث العلمي-، وصرحاً لإتلاف الذات المجتمعية -لا لخدمتها-!. وفي نفس الوقت، فإن ذلك يضع أمامنا تساؤلًا -ضمنيًا- عن أسباب إفراغ الجامعات من كوادرها الوطنية المؤهلة، واستبدالها بـ مسوخ الكهنوتية السلالية!.

أما الأهداف الجوهرية من تدريس التاريخ فأنها تكمن في تعزيز القيم التاريخية والاجتماعية والأخلاقية، وسرد الأحداث المهمة المرتبطة بعظمة الإرث الحضاري، وفهم أسباب الانتكاسات التاريخية ومن ورائها لـ معرفة الصديق من العدو (الداخلي قبل الخارجي)، والتي من شأنها بث شعور الانتماء الوطني، وتعزيز الهوية، ورفع مستوى الوعي التاريخي والثقافي لمواجهة أي تحديات فكرية!. كما أن السرد التاريخي يتطلب تقديم تفسير وتحليل وتدقيق عن الأحداث، وسبب حدوثها، وكيف حدثت، وتفصيل سياقها، وشرح ما سبقها، وعن المتسبب بها، وكل ذلك يُسهم في توضيح الترابطات وتفكيك التعقيدات وفهم السياق كاملاً غير مجتزأ. وتبرز أهمية التاريخ بأن "الأمة التي تحفظ تاريخها، تحفظ ذاتها"، أما الخبثاء الماكرون الذين يريدون تشويه تاريخها، وإفساد نقائها بالدعارة، وتدمير عفتها بالفسق، وإعطاب سمعتها بالدياثة، فهم يهدفون بذلك إلى تمزيق ذاتها، وتفتيت هويتها، وتحقير حضارتها، وتدمير مناعتها!.

وعودًا إلى متن ومضمون رسالة الاستهانة والتعمية -لا الاعتذار والتوضيح-، فقد أصبح فضح الأكاذيب وكشف التدليس، والدعوة إلى صون أعراض المجتمع (التاريخية والحالية)، عملاً معاديًا لليمن واليمنيين!. وأما دوره الثقافي والتعليمي الذي تباهى به، فإنه مقتصرًا على طمس المعرفة، ومحو القيم المشتركة، وكسر العادات، و خدش الذوق العام المتعارف عليه في أوساط المجتمع، وتأصيل الأمية والوهن بديلاً عن تنمية الذات. بينما استهجان النصوص الفاجرة واستنكارها، وإدانة مؤلفها (المُضل إلى العكفوية)، تم تحويرها لتكون إساءة عن اليمن واليمنيين!. ومزيدًا على ذلك، فقد غدا الطعن في أعراض أحفاد سبأ وحمير قابلة للنقاش والأخذ والرد، بينما انتقاد تلك النصوص وإدانة دجالها (المقدَّس لديهم) أمرًا ليس بالهين!.

ووفقاً لما ورد في الرسالة، فقد أصبح حماية تاريخ الأمة، والذود عن الأعراض المجتمعية نوعاً من أنواع استباحة الأعراف والعادات؛ بينما الصمت عنها، وعدم تناول الكهنة ممن يقدحون فيها، يعد نوع من التمسك بالأعراف، والعمل بمقتضى العادات!. إضافة إلى ذلك، فقد صار الاستياء والاعتراض والإدانة من قبل أبناء الأرض عن تلك المرويات الخبيثة الدنيئة الساقطة، عبارة عن إرادة جامحة منهم لتعميم "الحالة الشاذة"، وهذه الطرح بحد ذاته تشويه آخر للمجتمع!.

وبخصوص المؤلفات والأبحاث والمقالات والمنشورات والدروس المرتبطة بـ كاتب الرسالة، والتي تحدث بأنها تُشيد بأبناء الأرض، فـ جٌلها لتقدّيس الكهنة، ومعظمها لبذر بذور الفتنة، وغالبيتها عن الهوية الإيمانية العكفوية، وكثير عناوينها عن ضمير الصرخة، وكبير متونها عن قصص ولي فقيههم "يخبرنا عن الجنة كأنه عائد منها للتو"؛ ولم ينل اليمن واليمنيون من فيض كل ذلك إلا محاولة الطعن في أعراضهم، وتشويه تاريخهم، واستئصال حضارتهم!.

أما المؤلفات عن السلبيات التاريخية، والسلوكيات المنحرفة، والحالات الاجتماعية الشاذة التي أشار إليها "المتبجح"، فقد أصبحت مقتصرة في حدودها الجغرافية وتركيبتها الاجتماعية على ذم أبناء القبائل اليمنية دون سواهم؛ وقطعاً أن كل ذلك بطرق ممنهجة، وأساليب مدروسة، وحقارة منقطعة النظير من قبل الكهنة!. وفوق كل ذلك، خرج "الصَفِيق" شاهراً خنجره المسموم، ومتوعداً ومهدداً لمن تم الطعن بأعراضهم، بأن لا يتم اضطراره إلى نشر صفحات مما كٌتب وقيل في ذلك السياق (الدعارة والفسق والدياثة)، عبر مؤرخين من مذاهب ومشارب مختلفة (كهنة السياسة، كهنة الاجتماع، كهنة الاقتصاد، إلخ)!.