آخر تحديث :الثلاثاء-26 نوفمبر 2024-12:49ص

سموا الأشياء بمسمياتها… رموز وأَعْلام مقابل رعَاعٌ وألغام!

السبت - 24 أغسطس 2024 - الساعة 01:10 ص

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


تداول الكثير مؤخراً بسعادة غامرة أخبار تتحدث عن قرب إصدار كتاب جديد لكاتباً -كان متألقًا-، حيث يتضمن أحد فصوله معلومات مثيرة عن أعلام الهدى، ورموز الورى، ومٌدن العلم، ونوافذ المعرفة، ودور الحكمة، وأسوار الفطنة، وأرباب التقى؛ ولكن ما أثار حفيظة التواقين لذلك الكتاب، وأضرم فتيل غضبهم، تمثل في عدم تسمية الأشياء بمسمياتها. ومصدر تلك البهجة ناتجًا من أن مكتبة كهنة الآل تفتقر كثيراً إلى مثل تلك الكتب، ومبعث ذلك الاستبشار منطلق من أن رفوف المكتبة اليمنية تكاد تكون خالية تمامًا من تلك المؤلفات، وأما موجة السخط المتسارعة فقد تولدت من عدم مراعاة طبقات النسب، والتفريط في فَصِيْلَةُ الانتساب، والذي تحتم على الكاتب بأن يطلق عليهم بـ "أَعْلام الرسيّين، أو رموز أحفاد الرسي".

كما أن تسمية الأشياء بمسمياتها لها أثرها العميق للتفريق بين الحق والباطل، واستخدام المفردات في موضعها يقدم فكرة عن دلالتها، وضبط المصطلحات يمنح القدرة على التعريف والتمييز؛ بينما أصل البلاء ومنبع الاختراق، ومنبت المغالطات يكمن في تسمية الأشياء بغير مسمياتها. لذلك، كل من ينتسب إلى الرسي يتوجب تسميتهم بـ الرسيون (أو أحفاد الرسي)، وكل من يؤمن بالولاية وأحقية الحكم الإلهي يستلزم نعتهم بـ الكهنوتية، وكل من يؤمن بالعرق المقّدس وأحقية السلطة والثروة يتعين منادتهم بـ السلالية، وكل من يعمل لتنفيذ أجندة الكهنوتية السلالية يفترض وصمهم بـ القفازات القذرة، وكل من يتلاعب بما سبق ينبغي وصفهم بـ الشظايا والدخلاء والغرباء!.

وعودًا إلى مفردة "الأعلام" فإنها تعني كل ما يُهتدى به، ويُجتمع حوله، وكبار القوم وأَفاضِلُها، وأعمدة المجتمع ووجهائها، ممن قدموا للشعب كل ما يصب في مصلحته، ودْرَءُوا عن الأرض جٌل ما يضرها، أما الرموز فإنها تشير إلى القادة العظماء الذين حققوا للأمة أمجادها وأسهموا في إستناهضها!. ولكن من يطعنون في الشعب الذي استضافهم يُسمون بالأنذال، ومن يهدمون الأرض التي آوتهم ينعتون بالرعَاعٌ، ومن يسيئون إلى الأيدي التي امتدت إليهم يوصفون بالأوباش، ومن يحاولون طعن الصدور التي احتضنتهم يطلق عليهم بالأوغاد، ومن يتعالون على عزة الكرماء ممن صفحوا عنهم يلتصق بهم صفة الأَرْذال!.

أمتاز أبناء القبائل اليمنية بالبساطة والكرم والسخاء، والنخوة والوفاء، وإكرام الضيف، وإجارة المستجير، وإيواء الشارد، وحفظ الود، وذكر المعروف؛ ولكن من يصل منهم إلى مرحلة تسمية الدخلاء بـ "السادة"، وتكنية الشظايا بـ "الرموز"، ووصف الغرباء بـ "الأعلام"، فإنه تعدى بذلك مرحلة السذاجة والحماقة، ووصل إلى طور الخنوع والدونية والعبودية والعكفوية!.

وأتصف الرسيون بالالتواء والخداع والمكر والمخاتلة والمراوغة والتقية، واستعملوا كل الوسائل التي من شأنها توسيع نفوذهم وملء رفوف مكتباتهم، ووظفوا كافة الطرق التي تؤدي لـ تفتيت بنية المجتمع الذي يقطنون فيه، مستغلين بذلك ثغرة ما تّميز به أبناء اليمن. حيث قضت الكهنوتية السلالية -سابقًا- على مراكز العلم والتعليم التي ألفها الشعب بعد حكم آل رسول وآل طاهر وغيرهم، واستبدلوها بما يسمى بـ "هجر التضليل لا العلم" التي دّرست مناهجهم المسمومة، ونشرت أفكارهم الضالة، وتستخدم اليوم نفس الآلية والمنهجية السابقة. واعتمدت السلالية على الأوقاف (والأراضي المحّبسة) لتمويل "هجر التضليل"، واستغلت أموال الشعب لدعم مراكز بحوثهم، وتلاعبت بالأنساب لزيادة عدد داعميها ورفع منسوب مناصريها!.

وهُربت الآثار السبئية وبيعت، ونٌشلت المعادن الحِميّرية النفيسة وسٌلبت مقدرات أبناء الأرض؛ لكي يتم بعد ذلك تشكيل مراكز بحوث أسرية كهنوتية، ومجموعات بحثية عائلية سلالية، وبيوت دراسات رسيّة (على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي)؛ وذلك من أجل التزوير والتحريف، وملء الرفوف عن أعلام الهدى وأرباب التقى!. وركزت تلك المراكز والمجموعات والبيوت البحثية على استقطاب ودعم الباحثين المتميزين (الجائعين) من ذوي البنية الاجتماعية المطموسة هوياتيًا، ومن أهل التركيبة الفكرية المرتبطة عكفوياً، مستغلة شبكة العلاقات والارتباطات الفردية والبينية؛ وذلك لتأليف كُتب في مدح الكهنة، وفصول في ثناء الآل، ومن أجل ذم أصحاب الأرض وسحق ذواتهم، وردم تراثهم، ودفن حضارتهم!.

أما كُتب الأنساب، وغصون المشجرات الأسرية، فقد تم التلاعب بها بشكل فج، وقد تم استغلال فاقة وحاجة من تم تجويعهم من بعض أبناء الأرض ممن قبل بالتغرير، وانتهازية البعض الآخر ممن انتسب إلى غير أهله (للحصول على الامتيازات)، حيث أصبح اليحصبي كهنوتيًا، وغدا الحِميّري سلاليًا!. ويكفي الاستشهاد هنا بمثال واحد، بأن من سكن قرية الذاري (آل الذاري) هم يحصبيون حِميّريون من أبناء عمومة آل الإرياني (فصيلة محمد أحمد صلاح) التي نزحت من إريان حوالي القرن الحادي عشر الهجري. (كما تم الإشارة لذلك في مذكرات اليحصبي الرئيس الإرياني، والحِميّري الأصيل الحوالي، وغيرهما)

قبل الختام، القضايا الوطنية العليا المرتبطة بمصير شعب وأرض ليست قابلة للحيادية عوضاً عن الانتهازية، ولا تخضع للأمزجة الفردية أو العلاقات الاجتماعية، ولا تهاون ولا تساهل مع كل من يستهتر بها، فكيف بمن ينزلق إلى منزلق تمجيد الأَرْذال ومنادتهم بـ"الأسياد"، ويجهر بتأليف وتوليف صواعق الألغام، ويتجرأ على ذكر محاسن الأوغاد وجعلهم أعلام؟!. والجدير ذكره هنا، بأن ردة الفعل من قبل أحفاد سبأ وحِميّر على "الكاتب" كانت واعية وعنيفة بنفس الوقت، وشتان ما بين صمت الحياد، وقبح انتهازية المصلحة، وجريمة تحشيد أبناء القبائل!.

ختاماً، قيل سابقًا بأن "الجنان اللوزي" هو ان تغير النسب مرتين عند تّبدل السلطة الحاكمة، وسوف يقال لاحقاً بأن "الجنان + لقب الكاتب" هو أن تجعل من الرعاع أعلامًا!. علماً أن الكاتب الحصيف المعتز بانتمائه، والمفتخر بهويته، والشامخ بذاته سوف يؤلف كتبًا عن الأعلام السبئية، والرموز الحِميّرية، والأعيان اليحصبية، لا عن دخلاء الرسيّة، وغرباء الكهنوتية، وشظايا السلالية!. حرص أحفاد سبأ وحِميّر على تنبيه الكاتب سريعاً وبطرق شتى، وجعلوه يشطب تذييل عنوان فصل كتابه عوضاً عن تعديله، ويحذف نصف متن نصوصه خلال سويعات، وهم بذلك أرسلوا رسالة تنبيهية تحذيرية -ضمنية- لكل من تسول له نفسه تجاهل القضايا الوطنية العليا، بأن عدسة مجهر القومية اليمنية ستحرقهم!.