آخر تحديث :الثلاثاء-26 نوفمبر 2024-12:49ص

المناظرات… بين الخطاب الديني والخطاب الإلحادي بأدوات علمية!

السبت - 24 أغسطس 2024 - الساعة 07:28 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


على الرغم من كل ما يحدث في الساحة الوطنية، وأهمية ترتيب الأولويات التي تحدد أن أبناء الشعب لا ينقصهم الخطاب الديني، وليسوا بحاجة إلى خطاب إلحادي، وكل ما يهمهم يتمثل باستعادة مؤسسات الدولة من فكي الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة، وعودة الأمن والأمان والاستقرار، مع إيجاد حلول جذرية تضمن عدم التكرار!. بالمقابل، هناك من يرى أن "الخطاب الديني" يعد أهم الأدوات التي استخدمتها الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة للسيطرة الكاملة على شريحة مجتمعية، وعملت على تدّجين عقولهم وجعلها عكفوية، وساعدت السلالية في الاستئثار على السلطة والثروة، وحاول تفكيك تلك الأداة وإضعافها من خلال استخدام الخطاب الإلحادي!.

حيث تداول الكثير منذ ما يزيد عن أسبوع عن إقامة مناظرة بين طرفين، طرف يمثل الخطاب الديني المستمد من التشريع الأول والثاني، وطرف آخر يمثل خطابًا إلحاديًا قائمًا على أدوات علمية، ومنها علم المنطق وغيره. وفي الحقيقة، لم ألقي لها أي بال، ولم أكلف نفسي حضورها أو حتى الاستماع لها حتى تاريخه؛ وذلك لأن جدوى المناظرات ونتائجها التي تقود للوصول إلى الحجة والقياس، قائمًا بشكل أساسي على "المقدمات".

فإذا كانت "المقدمات" مستمدة من خطاب ديني وقائمة على خطاب إلحادي بأدوات علمية، فإن نتائج الوصول إلى الحجة والقياس معروفة مسبقاً؛ كونهما خطابين بمسارين منفصلينّ يتعارضان بالكثير من النقاط، وقد يتوافقان في جزئيات بسيطة. علماً أن الخطاب الديني يتعارض مع الخطاب الإلحادي بأدوات علمية، بثلاثة مواضع تتمثل بـ :١- مصدر المعرفة وارتباطه بصحتها،٢- التفسير وإمكانية التحقق والتنبؤ،٣- قابلية التشكيك.

في "الخطاب الديني"، مصدر المعرفة يشير بشكل مباشر إلى صحة المعرفة، بمعنى إذا كان مصدر المعرفة من التشريع الأول أو الثاني فذلك دليل قطعي على صحته؛ بينما مصدر المعرفة في "الخطاب العلمي" ليس له أي علاقة بصحة تلك المعرفة، ويمكن أن تفترض عدم صحة أي نظرية حتى لو كان مصدرها من أحد جهابذة العلماء.

إضافة إلى ذلك، التفسير في "الخطاب العلمي" قائم على التجربة والخطأ والفرضيات والتحقق والتنبؤ؛ بينما "الخطاب الديني" لا يقبل التجربة والخطأ والافتراضات والتنبؤات. أيضاً، بوابة معرفة "الخطاب العلمي" مستمدة من طرح التساؤلات المستمرة، ويتطلب وجود دليل مادي، وكذلك قابلة للتشكيك والنقد والدحض والنقض؛ بينما "الخطاب الديني" قائم على أن "الشك مفسد للدين"، وإجابة جزء من التساؤلات المعقدة تتم بـ "الله يعلم"، وكذلك مستمد من التسليم بـ "المقدسات والمطلقات والغيبات". لذا، الجمع بين "الخطاب الديني" و"الخطاب العلمي" في شق الجانب الروحي ممكن؛ ولكن الجمع بينهما في الجانب المنهجي باستخدام الأدوات العلمية غير ممكن.

ختاماً، ما يمّيز الحيوان الناطق (الإنسان) عن بقية الحيوانات هو أنه يتضمن ثلاثة عقول ضمنية: عقل علمي، وعقل ديني، وعقل أسطوري. كما أن وجود تلك الثلاثة العقول داخل الإنسان ليس بالضرورة أن تخلق تضاربًا، فـ العلم يحث على الإيمان، والإيمان يهذب ويشذب العلم عبر الأخلاق، وتوافرهما وتكاملهما يساعدان في معرفة الاتجاهات الصحيحة، ويحميان العقل من الوقوع في منزلق تدّجين الكهنة. لذا، على صعيد الساحة الوطنية، يتوجب أن تُوظف كل تلك العقول (الثلاثة) في مجابهة ومنازلة وإسقاط الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة عوضاً عن إضاعة الوقت في مناظرات ذات "مقدمات" غير متفقة، ومسارات منفصلة، وحججها وقياسها معروفة مسبقًا!.